باريس – (رياليست عربي). بعد الاستقالة المفاجئة لرئيس الوزراء سيباستيان لوكورنو وحكومته، دخلت فرنسا مرحلة سياسية مجهولة المعالم، إذ يرى خبراء القانون الدستوري أن الرئيس إيمانويل ماكرون يواجه خيارات محدودة للخروج من الأزمة، وسط ترجيحات بحلّ الجمعية الوطنية أو حتى الدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة.
وقالت أستاذة القانون الدستوري آن-شارلين بيزينا في حديث لمجلة لوبوان إن «تشكيل حكومة جديدة يبدو شبه مستحيل، لعدم وجود دعم برلماني كافٍ»، مضيفة أن «اليسار استنفد خياراته، وحتى بدعم الوسطيين لن يتمكن من تأمين أغلبية. لا يوجد مخرج مؤسسي حقيقي من الأزمة».
وأوضحت بيزينا أن استقالة الرئيس نفسه قد تفتح الباب أمام انتخابات مبكرة، لكنها ستكون «خطوة استثنائية للغاية». وأضافت: «عندما استقال شارل ديغول عام 1969، كان ذلك بعد أن تعهد علناً بالتنحي إذا فشل استفتاؤه الدستوري — رغم أنه كان لا يزال يملك ثلاث سنوات من ولايته».
وترى الخبيرة أن حلّ الجمعية الوطنية بات «الخيار الواقعي الوحيد»، قائلة: «الحل يصبح منطقياً فقط عندما تُستنفد كل البدائل الحكومية وتحدث حالة شلل مؤسسي — وقد وصلنا إلى تلك اللحظة. لا أي سيناريو آخر، بما في ذلك تعيين رئيس وزراء من اليسار، يمكن أن يضمن الاستقرار».
الأزمة الراهنة تلقي أيضاً بظلالها على قدرة فرنسا على إقرار ميزانية 2026 قبل نهاية العام. فبحسب الدستور، كان على الحكومة تقديم مشروع الموازنة في مطلع أكتوبر، إلا أن الموعد مضى دون ذلك. وقالت بيزينا: «من المشكوك فيه أن يُستكمل المسار التشريعي خلال المهلة الدستورية البالغة 70 يوماً».
وأشارت إلى احتمالين: إما أن يمنح المجلس الدستوري تساهلاً كما فعل خلال أزمة كورونا، ما يسمح بتمرير الموازنة متأخرة، أو — إذا تم تشكيل حكومة جديدة في وقت متأخر وتم حلّ الجمعية الوطنية — فسيُمدَّد العمل بموازنة العام السابق تلقائياً.
وبيّنت بيزينا أن ما يجري لا يُعدّ «انهياراً دستورياً»، بل هو «أزمة ثقافة سياسية» تشبه تلك التي سبقت سقوط الجمهورية الرابعة، قائلة: «الحكومات تستقيل قبل حتى أن تواجه تصويتاً بحجب الثقة، إدراكاً منها لقوة البرلمان. ما نراه هو صدام بين كتل سياسية متقابلة ونقاش يزداد استقطاباً يتمحور حول الرئاسة نفسها».
وفي رؤيتها للمستقبل، توقعت بيزينا أحد مسارين: إما عودة إلى النظام الأغلبي التقليدي الذي يمنح الحزب الحاكم السيطرة الكاملة، أو تحول نحو حكومات ائتلافية أو تكنوقراطية كما في بعض الديمقراطيات الأوروبية. لكنها ختمت بقولها: «لست متأكدة أن فرنسا جاهزة لذلك بعد».
ومع عزلة ماكرون وتجمّد البرلمان، تواجه الجمهورية الخامسة الفرنسية واحدة من أخطر أزماتها منذ عقود — مواجهة قد تعيد رسم ملامح النظام السياسي الفرنسي في السنوات المقبلة.






