موسكو – (رياليست عربي): إن زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى جمهورية الصين الشعبية ولقائه مع نظيره الصين (شي جين بينغ) أثمرت عن توقيع الجانبين على أكثر من 10 اتفاقيات ومذكرات تفاهم جديدة بعد أن زادت التجارة بين البلدين لتصل إلى 227 مليار دولار أمريكي إضافةً إلى بحثهم جملة من الملفات الإقليمية والدولية مثل تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا ووضع منطقة الشرق الأوسط وموقف البلدين معاً من تشكيل (النظام العالمي الجديد) حيث أوضح زعيمي البلدين خلال تصريحاتهما بأنه سيكون مستنداً على مبادئ العدالة والقانون والديمقراطية خاصةً بعد نجاح التعاون والتنسيق بين بكين و موسكو في مختلف المنصات الدولية التابعة لمنظمة الأمم المتحدة ومجموعة (بريكس) ومنظمة (شنغهاي) للتعاون و هو ما سيؤثر إيجابياً في مختلف الملفات الإقليمية و الدولية خلال الحقبة المقبلة
على ضوء زيارة الدولة التي يقوم بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الصين منذ مساء أمس الأربعاء، والتي ستستمر ليومين آخرين، لتكون هذه الزيارة هي الأولى له إلى خارج البلاد منذ إعادة انتخابه رئيساً لروسيا، حيث شملت زيارة الرئيس بوتين إلى الصين محطتين، هما بكين في المرحلة الأولى ومدينة (هاربين) الواقعة في شمال الصين ضمن المحطة الثانية:
• رافق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وفد روسي رفيع المستوى، ضمَّ 5 نواب لرئيس الوزراء الروسي، إلى جانب وزراء الخارجية والاقتصاد والوزارات الأمنية، بالإضافة إلى المسؤولين عن الجهاز الفيدرالي للتعاون العسكري الفني ومديرية السكك الحديدية الروسية، ورؤساء شركتي (روس آتوم) وكذلك (روس كوسموس)، كما اصطحب الرئيس بوتين معه 20 حاكماً من حكام المقاطعات الروسية من تلك المقطعات المتواجدة إلى جانب الحدود الصينية.
• واستهل الرئيس بوتين “زيارة الدولة” إلى الصين بلقاء قمةٍ مصغر مع نظيره الصيني (شي جين بينغ) في قاعة (فوجيان) استمر لمدة 45 دقيقة، حيث أعلن الرئيس بوتين هناك للصحفيين أن موسكو وبكين قامتا بقدرٍ كبيرٍ من التعاون العملي، مشيراً إلى أن التجارة بين البلدين قد زادت بنحو الربع خلال العام 2023، ووصلت إلى رقم جيد قدره 227 مليار دولار أمريكي.
• وأكد الرئيس بوتين أن الصين هي الشريك الرئيسي لروسيا في المجال التجاري والاقتصادي، موضحاً بأن روسيا باتت في المركز الرابع في قائمة الدول الشريكة تجارياً للصين الشعبية، وأن الموافقة على خطة التنمية للمجالات الرئيسية للتعاون الاقتصادي (الروسي – الصيني) حتى عام 2030 بعد زيارة الرئيس الصيني إلى موسكو خلال مارس 2023 قد لعبت دوراً مباشراً في تطوير التعاون.
• وقد حدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مجالات الطاقة والصناعة والزراعة لتكون أولويات الإجتماع، مشيراً كذلك إلى التعاون في مجال التقنيات العالية والابتكارات لبناء البنية التحتية والنقل. وأكد أن العلاقات بين روسيا والصين ليست موجهة ضد أي جهة، ولكنها ستدافع عن مبادئ العدالة والقانون والديمقراطية، مؤكداً نجاح التعاون على مختلف المنصات الدولية في منظمة الأمم المتحدة ومجموعة (بريكس) ومنظمة (شنغهاي) للتعاون.
• من جانبه أكد الرئيس الصيني (شي جين بينغ) إن العلاقات بين روسيا والصين الشعبية قد صمدت أمام اختبار تقلبات الوضع الدولي التي شهدتها منظومة العلاقات الدولية خلال السنوات الأخيرة، مشدداً على أن العلاقات (الصينية –الروسية) أصبحت معياراً للعلاقات بين الدول الكبرى.
أهم الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي تمَّ التوقيع عليها حالياً بين الجانبين الروسي والصيني خلال هذه الزيارة:
• وقع الرئيسان الروسي (فلاديمير بوتين) ونظيره الصيني (شي جين بينغ) على بيان حول تعميق علاقات الشراكة الشاملة والتعاون الإستراتيجي، وذلك بعد ساعتين ونصف من المباحثات في بكين صباح اليوم الخميس الموافق لتاريخ 16 مايو 2024.
• وصرح يوري أوشاكوف مساعد الرئيس الروسي، للصحفيين في وقت سابق، أنه تمَّ توقيت التوقيع تزامناً مع الذكرى الخامسة والسبعين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، حيث تضمنت الوثيقة المفصلة التي تمَّ التوقيع عليها والمكونة من 30 صفحة، كافة السبل والوسائل الجديدة التي من شأنها أن تحدد المزيد من الطرق لتطوير جملةً كبيرة من العلاقات الثنائية بأكملها بين بكين وموسكو، وللتأكيد على الدور القيادي لروسيا الإتحادية والصين الشعبية في تشكيل النظام العالمي الجديد متعدد الأقطاب (العادل و الديمقراطي) على حد وصف وتصريح مساعد الرئيس الروسي.
• تلا ذلك التوقيع، توقيع آخر على (عشر وثائق ثنائية) أخرى بحضور رئيسي البلدين، حيث أشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال التوقيع أنه يتم حالياً تنفيذ 90% من مجمل المدفوعات بين البلدين بالروبل واليوان، مضيفاً أن تحويل المدفوعات إلى العملات الوطنية أعطى زخماً قوياً لتوسيع التعاملات التجارية، كما شدد الرئيس بوتين على أن العلاقات بين روسيا الإتحادية وجمهورية الصين الشعبية ليست انتهازية وليست موجهة ضد أحد، وإنما روسيا الإتحادية والصين الشعبية ستدافعان بشكلٍ مشترك عن مبادئ الديمقراطية والنظام العادل في العالم، ولهذا السبب فإن موسكو وبكين شكلتا محفظة كبيرة تضم 80 مشروعاً استثمارياً مشتركاً كبيراً في مجموعة واسعة من المجالات.
• وفيما يلي أبرز الوثائق الموقعة التي تمَّ التوقيع عليها بين الجانبين الروسي والصيني بحضور قادتهما:
• مذكرة حول تعزيز التعاون في مجال البنية التحتية والإنشاءات الهندسية.
• بروتوكولات بشأن متطلبات اللحوم بكافة أنواعها المصدرة من الصين الشعبية إلى روسيا الإتحادية.
• اتفاقية أمنية حول تسهيل تبادل المعلومات الأمنية والتعاون الأمني بين الأجهزة الأمنية بين البلدين.
• مذكرة تعاون بين اللجنة الصينية لترويج التجارة الدولية والمنظمة العامة (بيزنس روسيا الإتحادية).
• خطة عمل مشتركة لتنفيذ اتفاقية التعاون في مجال الحماية الترابية ضمن الحماية البيئية المشتركة.
• مذكرة حول عقد منتدى على مستوى الخبراء لدول مجموعة “بريكس” لتطوير عمل المنظمة العالمية.
• مذكرة تعاون في المجال الإعلامي والصحفي للتنسيق بين وسائل الإعلام بمختلف أنواعها في كلا البلدين.
• من الجانب الصيني: ذكر الرئيس (شي جين بينغ) أن العلاقات بين بلده الصين و روسيا الإتحادية هي (معيار التعاون بين القوى الكبرى) لأنها تتميز بالاحترام والثقة والصداقة والمنفعة المتبادلة، مؤكداً عزم بلاده على أن تكون جاراً جيداً وصديقاً وشريكاً موثوقاً به لروسيا الإتحادية، ولهذا السبب شدد الرئيس الصيني على أن بكين وموسكو تعتبران بأن التسوية السياسية هي الطريق الصحيح لحل الأزمة الأوكرانية الحالية لإنهاء الحرب الحالية.
• وأشار الزعيم الصيني إلى أنه التقى مع الرئيس الروسي 40 مرة على الأقل على مر السنين، مشيراً إلى أن مثل هذه العلاقات الوثيقة تسمح للجانبين بتحديد الاتجاهات الإستراتيجية للحفاظ على ديناميكيات النمو المستقر والسريع للعلاقات (الروسية الصينية)، والتي لم يتم التوصل إليها بسهولة، وبالتالي فهي تستحق الحرص الكبير للحفاظ عليها من قبل قادة بكين وموسكو.
• وأعلنت وزارة الخارجية الصينية في بيان لها إن تطور العلاقات (الصينية الروسية) أصبح بمثابة عامل إيجابي للحفاظ على الاستقرار الإستراتيجي العالمي لإضفاء الطابع الديمقراطي على العلاقات الدولية.
• كما أكد بيان الخارجية أن الصين الشعبية وروسيا الإتحادية، وباعتبارهما عضوين دائمين في مجلس الأمن الدولي، ولكونهما من دول الأسواق الناشئة الرائدة، فإنهما تعملان على تعميق التعاون الإستراتيجي لتوسيع نطاق التعاون متبادل المنفعة، وقد اتخذت بكين مع موسكو خياراً استراتيجياً مشتركاً تماشياً مع النزعة التاريخية لتشكيل عالم متعدد الأقطاب بالتزامن مع العولمة الاقتصادية.
• فيما كشفت بيانات الجمارك الصينية الأخيرة، عن ارتفاع حجم التبادل التجاري المقوم بالدولار مع روسيا الإتحادية بنسبة 26.3% إلى 240.1 مليار دولار على أساس سنوي في العام 2023 حيث زادت صادرات الصين إلى روسيا بنسبة 46.9% العام الماضي مقارنة بمستويات عامي 2022 و 2021 أيضاً.
• وشارك في ذلك الإجتماع الموسع إلى جانب الرئيس الصيني وضيفه الرئيس بوتين كلاً من المسؤولين:
• من قبل الجانب الروسي: كلاً من وزير الخارجية (سيرجي لافروف) وسكرتير مجلس الأمن الروسي (سيرجي شويغو) ونائب رئيس الوزراء (دينيس مانتوروف) ونائب رئيس الوزراء (ألكسندر نوفاك) ونائب رئيس الإدارة الرئاسية (مكسيم أوريشكين) والسفير الروسي حالياً لدى بكين (إيغور مورغولوف) ووزير الدفاع (أندريه بيلوسوف) ووزير المالية (أنطون سيلوانوف) ورئيسة البنك المركزي (إلفيرا نابيولينا) ومدير دائرة الجمارك الفيدرالية (دميتري شوغاييف) ورئيس شركة روسكوسموس (يوري بوريسوف).
• من قبل الجانب الصيني: حضر رئيس مكتب اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني (تساي تشي) ونائب رئيس مجلس الدولة (دينغ شيوى شيانغ) ووزير الخارجية الصيني (وانغ يي) ونائب رئيس مجلس الدولة لجمهورية الصين (هي ليفنغ) ونائب رئيس مجلس الدولة (تشانغ قوه تشين) وعضو مجلس الدولة (شين يي تشين) والسفير الصيني لدى روسيا الإتحادية (تشانغ يى تشين) ونائب وزير الخارجية الصيني (سون وى دونغ).
آراء المراقبين و المحللين و الخبراء في مراكز الدراسات السياسية و الإستراتيجية الروسية و العالمية:
• يرى العديد من المراقبين والمحللين والخبراء في مجال العلاقات الدولية من المختصين بملف العلاقات الدولية لروسيا مع جمهورية الصين الشعبية، مثل مساعد الرئيس الروسي للشؤون الدولية، السيد (يوري أوشاكوف)، أنه وفقاً للبروتوكول الدبلوماسي، فإن (زيارة الدولة) كهذه الزيارة إلى الصين الشعبية هي الأعلى مستوى في تدرج الزيارات الخارجية لقادة الدول.
• وأضاف الخبير الروسي (يوري أوكشاكوف) أنه لم يكن من قبيل الصدفة أن يتم اختيار جمهورية الصين الشعبية لتكون أول وجهة خارجية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مشيراً إلى أن هذه الزيارة تأتي رداً على زيارة مماثلة قام بها الزعيم الصيني (شي جين بينغ) إلى روسيا خلال العام الماضي.
• وأكد الخبير والمسؤول يوري أوشاكوف إن الزعيمين الروسي والصيني سيناقشان أيضاً الوضع في أوكرانيا ومنطقة الشرق الأوسط ومنطقة آسيا خلال المحادثات التي ستستمر لاحقاً يومي 16 و17 مايو 2024، ولهذا السبب فقد شدد الرئيس الصيني على أن التنمية المستدامة للعلاقات بين الصين الشعبية وروسيا، تلبي ليس فقط المصالح الأساسية للبلدين والشعبين، بل وتفيد أيضاً قضية السلام والرخاء في المنطقة وفي جميع أنحاء العالم.
• فيما يرى الخبراء الغربيون مثل الخبيرة (ماريا شاجينا) من المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية ومقره في المملكة المتحدة، أن الرئيس الصيني (شي جين بينغ)، وبلا أدنى شك سيبحث مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مسألة العقوبات التي أعلنتها واشنطن خلال شهر مايو الماضي ، نظراً لأن تلك العقوبات قد شملت نحو 20 شركة (روسية صينية مشتركة) تقع مقراتها الرئيسة في الصين وفي هونج كونج أيضاً، حيث تقوم بعض هذه الشركات العملاقة بتصدير مكونات للطائرات بدون طيار إلى روسيا، بينما تقوم بعض الشركات الصينية الأخرى التي طالتها العقوبات بمساعدة موسكو في تجاوز العقوبات الغربية، وذلك بتزويد موسكو بتقنيات أخرى (وفق ما أعلنه المركز البريطاني في تقريره).
• وتؤكد الخبيرة (ماريا شاجينا) أن هناك أدلة على أن الصين هي أكبر مصدر لبعض القطع العسكرية إلى روسيا الإتحادية، من خلال شركات وهمية متواجدة في (هونج كونج) وفي الإمارات العربية المتحدة، حيث قامت هذه الشركات بتزويد روسيا الإتحادية بما يلزمها من القطع العسكرية، مستغلة المساحة الرمادية بين الأغراض العسكرية والمدنية.
• وتضيف الخبيرة العالمية (ماريا شاجينا) أن جمهورية الصين الشعبية تدافع عن تجارتها مع موسكو بالقول إنها لا تبيع أسلحةً فتاكةً، وأنها تتعامل بحكمة مع تصدير المواد ذات الاستخدام المزدوج وفقاً للقوانين واللوائح، علماً بأن بكين تصدر ما قيمته أكثر من 300 مليون دولار من المواد ذات الاستخدام المزدوج كتلك التي لها تطبيقات تجارية وعسكرية إلى روسيا، حيث تؤكد المعلومات التي نشرتها الولايات المتحدة الأمريكية على أنها عناصر (ذات أولوية عالية التقنية) وأنها ضرورية لصنع الأسلحة مثل الطائرات بدون طيار، ووصولاً إلى صناعة الدبابات. • ولهذا السبب، حذرت مؤسسة (RUSI) للأبحاث السياسية والإستراتيجية أن الجانبين الروسي والصيني لربما سيتفقان على وجود آلية مشتركة خلال هذه الزيارة الهامة، من أجل بدء عمليات الاستخدام المشترك كما هو محتمل ومتوقع في المستقبل القريب (لتكنولوجيا الأقمار الصناعية الصينية المتطورة) لأغراض الاستخبارات العسكرية، وهو الأمر الذي سيصب في مصلحة روسيا بلا أدنى شك على خط المواجهة الحالية في أوكرانيا، وسيساعد القوات العسكرية الروسية في تحقيق تقدم عسكري سريع كما هو متوقع وحاصل حالياً ضمن العملية العسكرية الروسية المستمرة في أوكرانيا.
حسام الدين سلوم – دكتوراه في تاريخ العلاقات الدولية – خبير في العلاقات الدولية الروسية.