واشنطن – (رياليست عربي): بعد بلوغه 100 عام من العمر قضى أغلبها في معامل الدبلوماسية، تحدث وزير الخارجية الأميركي السابق، عن رؤيته للمستقبل السياسي للعالم، وتطرق إلى الأزمة الروسية الأوكرانية، وحلل شخصية الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.
وحذر وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كسينجر، من عزلة الولايات المتحدة، حال إخفاقها في تحقيق التوازن بسياستها الخارجية بين مصالحها مع الدول الأجنبية.
وقال كيسنجر في حوار مطول مع وكالة “بلومبيرغ” ناقش خلاله حياته ومسيرته المهنية بعد بلوغه 100 عام، إلى عدة قضايا تراوحت بين مخاوفه من أن ينتهي الأمر بالصين إلى صراع عسكري مع تايوان، ومستقبل روسيا، وكذلك الوضع في أوروبا.
كيسنجر صاحب النظرة الموضوعية قال: إنه يعتقد أن صراعاً عسكرياً محتملاً بين الصين وتايوان سيندلع، إذا استمرت التوترات في مسارها الحالي، رغم أنه شدد على أن الحوار سيؤدي إلى خفض التصعيد، وحض على ذلك.
وأضاف عندما سئل عن احتمال أن تغزو الصين تايوان: “فيما يتعلق بالمسار الحالي للعلاقات، أعتقد أن بعض الصراع العسكري محتمل، لكنني أعتقد أيضاً أن المسار الحالي للعلاقات يجب أن يتغير”.
وعلى صعيد احتمال الصدام العسكري بين أميركا والصين رأى كسينجر، أن “الأمر متروك لكل من واشنطن وبكين للتراجع عن المواجهة بينهما”، والتي قال إنها على “قمة الهاوية”، وجاء حديثه المنشور حديثا قبل أيام من سفر وزير الخارجية أنتوني بلينكن، إلى بكين.
وبعد كل هذه السنوات، قال كيسنجر إنه “لا يزال متردداً بشأن نتيجة التوترات بين الولايات المتحدة والصين، نظراً لأنهما لم ينخرطا بعد في نوع الحوارات التي اقترحتها”، لكن الشيء الوحيد الذي قال إنه يعرفه على وجه اليقين هو أنه “لا يمكن كسب الحروب بين قوتين عظميين”، أو “لا يمكن الفوز بها إلا بتكاليف غير متناسبة”، وفق تعبيره.
وأردف كيسنجر: “إنه وضع فريد من نوعه، بمعنى أن أكبر تهديد لكل دولة هو تهديد للأخرى، أي أن أكبر تهديد للصين هو أميركا، في تصورهم، وينطبق الشيء نفسه هنا في أميركا”.
وتطرق كيسنجر إلى الأزمة الروسية الأوكرانية، قائلاً: “أحب روسيا التي تعترف بأن علاقاتها مع أوروبا يجب أن تقوم على أساس الاتفاق ونوع من الإجماع، وأعتقد أن هذه الحرب، إذا انتهت بشكل صحيح، قد تجعل ذلك قابلاً للتحقيق”.
وقال الدبلوماسي الأمريكي إنه من المهم أن تخرج أوكرانيا من هذا الصراع كدولة ديمقراطية قوية، ويفضل تجنب محاولة تفكك روسيا أو تحويلها إلى دولة عاجزة بشكل مثير للاستياء، مشيراً إلى أن ذلك يهدد بتأجيج توترات جديدة.
ووصف كسينجر الرئيس بوتين بأنه: وريث النظرة الروسية التقليدية، وشخص نشأ في شوارع لينينغراد (سانت بطرسبرغ حالياً)، حيث مات أكثر من نصف السكان بسبب الجوع خلال الحرب العالمية الثانية، وواجهوا تهديداً مستمراً.
وأضاف كيسنجر أن بوتين “ترجم ذلك إلى عدم رغبته أبداً في أن تكون القوة العسكرية الأوروبية سهلة الوصول إلى سان بطرسبرج والمدن الكبرى مثل موسكو، ورد بشكل حاسم على توسعها”.
وأوضح أنه في حين أن الولايات المتحدة وحلفائها قاوموا العملية الروسية، إلا أنه من المهم بشكل متزايد أن تفكر أطراف الصراع في الطريقة التي يريدون بها إنهائها من خلال الدبلوماسية.
وتابع أن هناك “خطراً” من أن تهيمن العلاقات العسكرية بين القوى على التفكير الجيوسياسي، وتحول الحرب إلى صراع عالمي من خلال جذب دول مثل الصين.
ويرى كيسنجر دوراً أقوى لبريطانيا في توجيه العلاقات الأميركية مع الاتحاد الأوروبي من خارج التكتل.
ورداً على سؤال عما إذا كانت بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي في وضع أفضل للمضي قدماً، قال كيسنجر إن “الشراكة الخاصة بين بريطانيا والولايات المتحدة تعني أنها في وضع أفضل تاريخياً لصقل العلاقات عبر المحيط الأطلسي”.
وقال كيسنجر: “مشكلة بريطانيا هي التواصل، أي كيفية التواصل مع أوروبا، وليس كيفية التواصل مع الولايات المتحدة. بالنسبة لبريطانيا، تبين أن الارتباط بأوروبا غير ممكن، لذلك يجب أن يتم ذلك الآن من خلال السياسة”.
كما ناقش كيسنجر التحديات التي يواجهها القادة الألمان في وقت تخاطر فيه القوة المتنامية للبلاد بإبعاد شركائها في الاتحاد الأوروبي، قائلاً إن ألمانيا “تواجه معضلة بشأن قوتها الآخذة في الاتساع”.
ورأى كيسنجر، أن مركز الثقل السياسي في أوروبا يتحول بلا هوادة نحو برلين، ما يمثل تحدياً جديداً أمام قيادة البلاد.