شيكاغو – (رياليست عربي). تجمّع مئات من جنود الحرس الوطني في ولاية تكساس يوم الثلاثاء في قاعدة احتياطية للجيش الأميركي خارج شيكاغو، مع تصاعد مؤشرات على أن الرئيس دونالد ترامب قد يفعّل “قانون التمرد” (Insurrection Act) — وهو تشريع عمره أكثر من قرنين يسمح باستخدام القوات المسلحة داخل الولايات المتحدة من دون موافقة حكّام الولايات.
الخطوة، إن نُفذت، ستشكّل أخطر اختبار دستوري لحدود السلطة الرئاسية منذ عقود، وقد أثارت انتقادات حادة من حكّام الولايات وخبراء القانون وضباط سابقين في الجيش.
وقال ترامب للصحفيين في البيت الأبيض إنه «يبقي جميع الخيارات مطروحة»، مؤكداً أن الحكومة الفيدرالية «يجب أن تتدخل إذا لم يتمكن القادة المحليون من أداء مهامهم». وأضاف: «انظروا إلى شيكاغو، إنها مدينة عظيمة لكنها تعاني من الجريمة. إذا لم يستطع الحاكم التعامل مع ذلك، فسنتدخل نحن».
ويمنح قانون التمرد، الذي استُخدم آخر مرة عام 1992 أثناء اضطرابات لوس أنجلوس، الرئيسَ سلطة نشر الجيش في حالات «التمرد أو الاضطرابات الداخلية». وعادةً ما تكون قوات الحرس الوطني تحت سلطة الولايات، ويحظر القانون الفيدرالي على الجيش أداء مهام الشرطة داخل البلاد، لكن تفعيل القانون يلغي هذه القيود ويسمح للجنود باعتقال المدنيين مؤقتاً — وهو ما يعتبره خبراء القانون «تصعيداً استثنائياً».
وقال الجنرال المتقاعد راندي مانر، نائب رئيس مكتب الحرس الوطني سابقاً: «هذا طريق في غاية الخطورة. إنه يعني عملياً أن الرئيس يمكنه أن يفعل ما يشاء — وهذا هو تعريف الديكتاتورية».
تدخل قضائي وانقسام سياسي
بدأت المحاكم الفيدرالية بالفعل بالنظر في القضية. فقد أصدر قاضٍ في ولاية أوريغون قراراً مؤقتاً يمنع نشر القوات في بورتلاند، بينما سمح قاضٍ آخر في إلينوي باستمرار عملية الانتشار قرب شيكاغو إلى حين مراجعة الدعوى.
واتهم حاكم إلينوي جاي بي بريتسكر ترامب بـ«استخدام الجنود كأدوات دعائية سياسية»، واصفاً الخطوة بأنها «غير قانونية وغير دستورية». وقد رفعت الولاية ومدينة شيكاغو دعوى قضائية لمنع فيدرلة 300 جندي من الحرس المحلي ووصول 400 جندي من تكساس.
وخلال جلسة استماع الاثنين، أكد محامو وزارة العدل أن القوات من تكساس في طريقها إلى إلينوي. وسمحت القاضية أبريل بيري بنشرها مؤقتاً، لكنها أمرت الحكومة بالرد على الدعوى بحلول الأربعاء.
وتأتي التحركات الجديدة بعد عمليات نشر سابقة في لوس أنجلوس وواشنطن العاصمة، ضمن حملة ترامب لمكافحة الجريمة والهجرة غير الشرعية. غير أن المسؤولين المحليين في شيكاغو وبورتلاند أفادوا بأن الاحتجاجات هناك كانت «محدودة وسلمية إلى حد كبير»، في تناقض واضح مع وصف البيت الأبيض لها بـ«مناطق حرب».
ردود فعل داخلية وتحذيرات من عسكرة الداخل
وحذّر نواب ديمقراطيون ومنظمات حقوق مدنية من أن تهديد ترامب باستخدام الجيش ضد المواطنين الأميركيين يمثل «انحرافاً خطيراً عن الأعراف الديمقراطية».
وفي الأسبوع الماضي، قال ترامب خلال اجتماع مع ضباط عسكريين إن «المدن الأميركية يمكن أن تكون ميادين تدريب ممتازة للقوات» — تصريح أثار غضب خصومه وقلقاً داخل البنتاغون نفسه.
ويرى منتقدو ترامب أن تصعيده لقضية «القانون والنظام» يأتي في إطار محاولته توسيع سلطاته التنفيذية وإسكات المعارضة السياسية. فمنذ بدء ولايته الثانية في يناير، خاض الرئيس سلسلة من المواجهات مع المحاكم وحكّام الولايات حول مدى صلاحياته الدستورية.
حالياً، تتمركز القوات في إلوود على بعد نحو 80 كيلومتراً جنوب غربي شيكاغو، دون دخول المدينة. وأكدت وزارة الدفاع أن مهمتها «محدودة بحماية المنشآت الفيدرالية ومساندة العملاء الفيدراليين»، لكنها أقرت بأن الجنود يملكون صلاحية احتجاز الأفراد مؤقتاً.
ويقول خبراء القانون إن تفعيل قانون التمرد قد يعتمد على قرارات المحاكم خلال الأيام المقبلة، مشيرين إلى أن المحكمة العليا غالباً ما تميل إلى منح الرئيس حرية التقدير في تحديد ما إذا كانت ظروف «التمرد أو عرقلة تنفيذ القوانين الفيدرالية» متوفرة.
وإذا مضى ترامب في قراره، فسيكون ذلك أكثر استخدام داخلي عدواني للجيش الأميركي منذ أكثر من ثلاثين عاماً — ولحظة فاصلة في تاريخ العلاقة بين الرئاسة والقانون الدستوري في الولايات المتحدة.






