موسكو – (رياليست عربي): بعد أن شارك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الجلسة الإقتتاحية لمنتدى (فلاديفستوك) الإقتصادي الدولي الروسي، ألقى الرئيس بوتين خطاباً هاماً في (الجلسة العامة) للمنتدى، وذلك مساء يوم الخميس الموافق لتاريخ 5 أيلول سبتمبر 2024، حيث تطرق إلى عددٍ من القضايا السياسة والإقتصادية الداخلية والدولية الساخنة.
- فعلى صعيد الملفات السياسية التي تطرق إليها خطاب الجلسة العامة: أعرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن امتنان روسيا الإتحادية لولي العهد السعودي، سمو الأمير محمد بن سلمان آل سعود لمساعدته في المفاوضات التي أدت إلى تبادل السجناء مع الولايات المتحدة الأمريكية.
- وأضاف الرئيس بوتين أن دولاً كثيرة شاركت في تحقيق هذه المهمة، مشيراً إلى أن الصحفي الأمريكي (إيفان غيرشكوفيتس)، قام بأنشطة تجسسية تحت ستار الصحفي، ولكن ولي العهد السعودي قد شارك بشكل نشط في المرحلة الأولى من العمل (على هذا الملف)، وأن الجانب الروسي شاكر للسعوديين ولولي العهد السعودي شخصياً، لأن ذلك أدى في نهاية المطاف إلى عودة بعض المواطنين الروس لوطنهم. كما أشار الرئيس بوتين إلى أن الرئيس التركي (رجب طيب) أردوغان قدم ساحة في بلاده لإكمال تسوية هذه القضايا، مما ساعد في نهاية الأمر على تحقيق نتائج إيجابية تلبي مصالح كل الأطراف المعنية.
- وأوضح الرئيس بوتين أنه بتاريخ 1 أغسطس الماضي 2024، قد جرت بالفعل أكبر عملية تبادل للسجناء في السنوات الأخيرة، وقد شملت 26 سجيناً من 7 دول، حيث استعادت روسيا الإتحادية في إطارها مواطنين لها اعتقلوا في دول الغرب بتهمة العمل لصالح الإستخبارات الروسية، وأطلقت في المقابل سراح 16 شخصاً، من بينهم أمريكيون وألمان مدانون بمختلف التهم في روسيا.
- أما على صعيد الملف الأوكراني و تطورات الحرب (الروسية – الأوكرانية) محلياً وإقليمياً و دولياً:
وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استهداف محطتي (كورسك) و (زابوروجيه) النوويتين من قبل القوات الأوكرانية بأنها أعمال إرهابية في غاية الخطورة، متسائلاً عما قد يحدث من تداعيات إذا ردت روسيا الإتحادية على تصرفات القوات الأوكرانية بالمثل، ومضيفاً في حديثه عن سير العملية العسكرية الروسية الخاصة، أن الأولوية حالياً باتت لتحرير أراضي حوض (دونباس)، لأن روسيا الإتحادية ستدافع دائماً عن مصالح أولئك الناس في أوكرانيا، من الذين يتمسكون باللغة والتقاليد الروسية.
- وأشار الرئيس بوتين إلى أن التوغل الأوكراني على المناطق الحدودية الروسية فشل في تحقيق أهدافه حيث يجري العمل حالياً على طرد العدو الأوكراني (حسب وصف الرئيس بوتين) من أراضي البلاد، مشيراً إلى أن أوكرانيا أرادت من خلال مهاجمة مقاطعة (كورسك) والمناطق الحدودية الأخرى أن تصرف انتباه القوات الروسية عن الهجوم الروسي المتقدم في أراضي حوض (دونباس)، لكن القوات الأوكرانية فشلت، وقد أدت محاولات قادة كييف بعد مهاجمة المناطق الحدودية الروسية إلى إضعاف الجيش الأوكراني نفسه بشكل خطير في المحاور الأخرى، بينما قامت القوات الروسية بتسريع وتيرة هجومها، وباتت المكاسب الإقليمية اليومية تبلغ ليس مئات الأمتار وإنما مئات الكيلو مترات المربعة.
- وأكد الرئيس بوتين أن خسائر القوات الأوكرانية كبيرة جداً لدرجة أن الجيش الأوكراني قد يفقد قدرته القتالية قريباً، ولهذا السبب فإن التعبئة في أوكرانيا ستستنزف البلاد بالكامل وستشمل حتى الطلاب ومن يسمون أنفسهم بــــــــ (شباب هتلر)، لأن ممثلو النخب في كييف لا يكترثون بشعبهم ومواطنيهم، لأن أقاربهم يعيشون في الخارج، ويمكنهم هم أنفسهم ركوب الطائرة والرحيل في أي لحظة وهذا ما سيحدث.
- وأوضح الرئيس بوتين أن القوات الروسية تمكنت من تحقيق استقرار الوضع في المناطق الحدودية وبدأت بإخراج العدو تدريجياً منها، لأن الواجب المقدس للقوات المسلحة الروسية هو بذل كل ما في وسعها لطرد العدو من المناطق الحدودية الروسية وحماية المواطنين الروس بشكل موثوق، ولذلك فقد كان هجوم القوات الأوكرانية على كورسك، دافعاً لرصِّ صفوف المجتمع الروسي، بينما كان العدو يهدف لزرع الذعر وزعزعة الوضع الداخلي في روسيا الإتحادية، وهو الأمر الذي لم يتاح له أن يتحقق.
- وفيما يتعلق بموضوع المفاوضات بين روسيا الإتحادية و أوكرانيا و سبب تعطيلها بين الجانبين: أكد الرئيس بوتين أن لديه إحساساً بأن من يحكمون أوكرانيا حالياً من قادة كييف، هم من كوكبٍ آخر بالفعل، لأنهم الآن سيقومون بالتعبئة الشاملة، ثم سيقومون بخفض سن التجنيد، وإنشاء كتائب مثل (شبيبة هتلر)، لأنهم يريدون أن يخدعوا شعبهم، ويتخفون وراء الشعارات القومية الرنانة.
- وأضاف الرئيس بوتين أنه تحدث كثيراً عن المفاوضات، وأن الجانب الروسي توصل إلى حل كافة المعايير الخاصة بالعملية السلمية مع ممثلي كييف، وتم الإتفاق على كل شيء سابقاً، بل وقد وقع رئيس الوفد الأوكراني في المفاوضات، والذي لا يزال يترأس الكتلة الحزبية الحاكمة في برلمان أوكرانيا على مسودة هذه الإتفاقيات جميعها، وكان المطلوب منه استكمال هذه الإتفاقيات إلا أن السيد (بوريس جونسون) عطل الإتفاق بين كييف وموسكو، والسلطات البريطانية في لندن لا تنكر هذا، حيث طالب جونسون بالقتال حتى آخر مواطن أوكراني، أملاً منه في (إلحاق الهزيمة الإستراتيجية بروسيا الإتحادية)، والسلطات الأوكرانية أعلنت أنها لو لم تطع الرعاة الغربيين، لما كان الأمر قد تدهور على هذا النحو.
- وشدد الرئيس بوتين على أن الجانبين الروسي والأوكراني قد وافقوا على الوثائق التي تمَّ التوقيع عليها في إسطنبول، وموسكو لم تعترض على المفاوضات، لكن قادة كييف هم الذين انسحبوا من المفاوضات، مضيفاً بأن الكرملين الروسي ما زال حتى الآن على اتصال مستمر بقادة الدول الصديقة، لأن لديهم نية حقيقية بالفعل لحل هذه الأزمة المعقدة، مثل الصين الشعبية والبرازيل ودول القارة الأفريقية.
- وقام الرئيس بوتين في سياق خطابه بالتذكير أن كل شيء بدأ بالانقلاب الذي وقع في كييف عام 2014، حيث كان الحديث يدور عن حقوق الإنسان، وعن مبادئ القانون الدولي التي يجب أن يلتزم بها، مضيفاً بأن ذلك الإنقلاب لم يكترث للقانون الدولي وبنوده، ولهذا السبب فإن روسيا الإتحادية ستعمل وتبذل كل الجهود لحماية مصالحها وحماية من يحمل الثقافة الروسية واللغة الروسية، لأن الجانب الروسي يعرف حق المعرفة مع من يتعامل، فهو يتعامل مع الذين لا يحترمون مصالح الدول الأخرى، ومع من يخرقون كل الإلتزامات حتى بعد توقيعهم على الوثائق، لذلك يجب بهذا الصدد البحث عن ضمانات، والضامن الأساسي لأمن روسيا الإتحادية هو نمو الإقتصاد الروسي والقدرات العسكرية الروسية، وبناء العلاقات المستقرة مع شركاء وأصدقاء روسيا.
- وبالحديث عن الشق الإقتصادي، وحصراً ذلك الجزء الإقتصادي المتعلق بملف الغاز الروسي وتأثير الحرب (الروسية الأوكرانية) عليه:
- أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن روسيا الإتحادية ستصدر الغاز إلى أوروبا عبر مسارات أخرى، ولاسيما عبر تركيا، إذا رفضت سلطات كييف تمديد عقد ترانزيت الغاز الروسي عبر الأراضي الأوكرانية. مضيفاً أن روسيا الإتحادية مستعدة لتخفيض الإمدادات من الغاز الروسي إلى أوكرانيا، وعبر أوكرانيا أيضاً، ولكن هذا سيكون خيار الأوكرانيين أنفسهم، وهم من يتحمل مسؤولية تصدير الغاز الروسي عبر مسارات أخرى، وخاصة عبر خطوط نقل الغاز الإقليمية مثل (السيل التركي) و(السيل الأزرق).
- وجدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التأكيد على أن روسيا الإتحادية يمكنها إمداد أوروبا بالغاز عبر مسارات أخرى إذا رفضت أوكرانيا تمديد عقد عبور (ترانزيت) الغاز الروسي عبر الأراضي الأوكرانية، حيث سينتهي العقد الموقع نهاية عام 2024، وشدد الرئيس بوتين على أن موسكو من جانبها، ورغم استمرار الحرب (الروسية الأوكرانية) إلا أنها لا ترفض من حيث المبدأ ضخ الغاز الطبيعي إلى أوروبا عبر الأراضي الأوكرانية، لافتاً النظر إلى أن بلاده تدرس مسارات جديدة لتصدير غازها إلى الدول الأجنبية.
- كما وصف الرئيس بوتين رفض ألمانيا شراء الغاز الروسي عبر خطوط (السيل الشمالي 2) بالهراء والجنون، وذلك لأن ألمانيا تقبل شراء الغاز الروسي عبر الأراضي الأوكرانية، وتقبل شرائه كذلك من خلال خطوط نقل الغاز في (السيل التركي)، لكنها ترفض شرائه عبر (السيل الشمالي)، خاصةً وأن أحد أنبوبي نقل الغاز ضمن خطوط (السيل الشمالي-2) ما زال صالحاً لضخ الغاز عبره، لذلك يمكن ضخ 27.5 مليار متر مكعب من الغاز الروسي إلى ألمانيا عبره، إذا تمَّ التوصل إلى اتفاق بهذا الشأن.
آراء المراقبين والمحللين والخبراء في مراكز الدراسات السياسية والإستراتيجية الروسية والعالمية:
- يرى العديد من المراقبين والمحللين والخبراء في مجال العلاقات الدولية من المختصين بملف الحرب الحالية (الروسية الأوكرانية)، وتطوراتها الأمنية والعسكرية، وكذلك تأثيرها الجيوسياسي واللوجيستي، مثل الخبير العسكري والأمني الروسي (فيكتور بارانيتس)، أن من يسمع الخطاب الأخير للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في منتدى (فلايفستوك)، سيدرك جيداً بأن الرئيس بوتين قد تحدث بلغة القائد المنتصر لأن الجميع بات يعلم جيداً، سواءً في روسيا، أو في أوكرانيا نفسها، أن القائد الأعلى للقوات الأوكرانية الجنرال (ألكسندر سيرسكي)، قد ارتكب خطأً فادحاً بإجبار الجيش الأوكراني على القتال على جبهتين في وقتٍ واحد، أي اتجاه كورسك (في الشمال) واتجاه بوكروفسك (في الجنوب).
- ويضيف الخبير بارانيتس أن خطاب الرئيس بوتين وتصريحاته بشأن الملف الأوكراني قد تزامنت مع تقهقر القوات المسلحة الأوكرانية التي دخلت منطقة كورسك، حيث بدأت تدرك أنها لن تعود حية من هناك، لأن قادة كييف مثل (سيرسكي وزيلنكسي) لن يعطوهم الأمر بالإنسحاب، وذلك لأن انسحابهم يعني فشل مشروع التوغل الأوكراني في مقاطعة (كورسك) بأكمله، مما يعني لاحقاً ضربة عسكرية كبيرة لقوات كييف قد تتسبب في خسارتها للحرب بشكل نهائي، وهو الأمر الذي تسير الأمور باتجاهه لأن القوات الروسية في الشمال تسير على قدم وساق لدخول مدينة (بوكروفسك)، والتي بات سقوطها في أيدي القوات الروسية مسألة وقت، وكلاً من (زيلنسكي وسيرسكي) يعرف هذا الأمر جيداً.
- ويوضح الخبير العسكري والأمني الروسي (فيكتور بارانيتس)، أن هناك تعليمات أعطيت للقوات المسلحة الروسية لتكثيف عملياتها خلال الأسبوع الأخير في (بوكروفسك)، أي بالتزامن مع عقد فعاليات منتدى (فلاديفستوك) على ما يبدو، حيث قامت قوة روسية كبيرة يبلغ عددها عشرات آلاف الجنود، حيث تشي التقارير أن عددها (20 ألف مقاتل) بعملية كبيرة لتطويق القوات الأوكرانية التي تسيطر على الخط الفاصل بين منطقتي (ممريك و نهر فولشيا)، حيث أنشأ الجيش الروسي هناك ما يعرف بلغة الحرب والخطط العسكرية بــــــــ (النتوء العسكري) والذي أصبح فخاً للآلاف من الجنود الأوكرانيين (يقال إن عددهم يصل إلى 4 آلاف جندي أوكراني)، وقد تمَّ تطويقهم من قبل القوات الروسية هناك، حيث يمكن سحقهم خلال ساعات فقط بمجرد تلقي الأوامر من الكرملين الروسي.
- وقد وصل أحد التقاير الأمنية والعسكرية إلى الرئيس بوتين وهو يشارك في منتدى (فلاديفستوك) حيث أكد التقرير الأمني الذي أوصلته المخابرات العسكرية الروسية، أن هناك 1000 مقاتل أوكراني قد لقوا مصرعهم من الوحدات الخاصة الأوكرانية المعروفة بقوات العقاب، وهناك مجموعة كبيرة أيضاً يصل تعدادها إلى 8000 مقاتل قد تمَّ القضاء عليها في منطقة (إيزفارينسكي)، يضاف إليهم مجموعة أخرى عددها 1500 مقاتل تمَّ القضاء عليهم في مطار (دونيتسك)، وهناك أيضاً ما يتجاوز 8000 مقاتل أوكراني لقوا مصرعهم في منطقة (ديبالتسيفسكي)، وكذلك 6000 مقاتل أوكراني في منطقة (أمفروسيفسكي)، و2000 في منطقة (إلينوفسكي)، وكذلك هناك 2000 ممن لقوا مصرعهم في مطار (لوغانسك)، وهو الأمر الذي أصاب القيادة العسكرية الأوكرانية بحالة من الذعر، وستكون هذه النتائج والإحصاءات العسكرية السرية مفضوحة أمام الجميع اعتباراً من مطلع الأسبوع القادم الذي سيبدأ في يوم الإثنين بتاريخ 9 سبتمبر 2024، وذلك لأن القوات الروسية ستتحرك لإحكام قبضتها على ثاني أكبر مدن الشمال الأوكراني بعد (خاركوف)، أي على مدينة (بوكروفسك).
- كل هذه التطورات العسكرية، بالإضافة إلى التقدم الذي تحققه القوات الروسية بطرد القوات الأوكرانية من أراضي مقاطعة (كورسك)، جعلت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتحدث بلغة المنتصر في خطابه الذي ألقاه ضمن فعاليات منتدى (فلاديفستوك) الإقتصادي الروسي، وهنا كان من الملفت للنظر أن من يقرأ بين السطور، سيستخلص من خطاب الرئيس بوتين أن أجهزة الأمن الروسية لديها معلومات دقيقة ومفصلة عن قرار التعبئة العامة الذي وقعه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي، والذي أنكرته كييف، لأنها تريد الإعلان عنه بعد عودة زيلنسكي من واشنطن، حيث تؤكد موسكو أن هذه التعبئة العامة في أوكرانيا ستكون استعداداً للمعارك الضارية خلال شهر سبتمبر أيلول الجاري.
حسام الدين سلوم – دكتوراه في تاريخ العلاقات الدولية – خبير في العلاقات الدولية الروسية.