القاهرة – (رياليست عربي): أجرى مشروع “عين على الشرق” هذه المقابلة في مارس 2022 وكان د. مدحت حماد أول من توقعوا بفشل المفاوضات النووية لأسباب مختلفة ترتبط بمخاض نظام عالمي جديد، وكذلك كان الأصدق في تحليل عدم تطبيع العلاقات المصرية الإيرانية ولأهمية الحوار، وقرب الاحتفال بالذكرى الـ 44 للثورة الإيرانية.
تبحث المقابلة، الملف النووي الإيراني، وكذلك إيران علاقتها بدول المنطقة وما العقبات في تطبيع العلاقات المصرية الإيرانية، مع د. مدحت حماد، أستاذ اللغة الفارسية بجامعة طنطا، وصاحب التقرير الاستراتيجي السنوي عن إيران، أعد وأنتج اللقاء، الأستاذ أحمد مصطفى، ضمن مشروع عين على الشرق.
بالرغم من رهان الكثير أن إيران كانت ستخسر في المفاوضات الحالية – إلا أن هناك اتفاق نووي وشيك أن يحدث؟
د. حماد: بعد الشكر والثناء على المبادرة وأن آسيا تمثل أكثر من نصف سكان العالم فهذا سيخدم الكثير – إيران هي من عطلت الاتفاق، لتيقنها تلاعب أمريكا ثم بريطانيا وألمانيا بها وعطلت الاتفاق دعماً لروسيا وكسباً للوقت، وتنتظر حتى تؤتي الأزمة الاوكرانية ثمارها ليكون المكسب أكبر – وهي عقلية (صانع القرار) في إيران، حيث يرى أن هذه فرصة تاريخية لمستقبل جديد من التفاوض. ولكن لن يوقع الاتفاق، وإيران أعلنت استخدام اليورانيوم المخصب بنسبة 60% في بعض العلاجات التي تحتاج هذه النسبة. وكان إلحاح الغرب على الاتفاق في حينها فرصة لإيران.
هل العقوبات الاقتصادية مجدية من ناحية من فرضها على إيران وروسيا، وهل هناك حجية لهذه العقوبات قانونية؟
د. حماد: لا توجد حجية قانونية للعقوبات أو فرض دول ذات عضوية دائمة في مجلس الأمن بفرض عقوبات، لن الفصل السابع ينص على إجراءات وتدابير من مادة 39 -51 تشتمل على تدابير. ولو كانت العقوبات أثمرت أو أتت أكلها بالنسبة لإيران أو فنزويلا أو فيتنام، كان يمكن أن تؤثر على روسيا، حيث تستطيع ان تعيش دون تجارة خارجية، روسيا لن تموت لأنها دولة صناعية منتجة للطاقة والغذاء والماء وهي مقومات الحياة، حيث ان توافرت، لا حاجة لـ روسيا بالآخر – فمن يجوع ويبرد هي شعوب الحكومات التي فرضت تلك العقوبات.
هل يمكن ان يشكل الاتفاق النووي نقلة نوعية في مستقبل إيران مع الغرب بالرغم من توقيعها اتفاقيات شراكة استراتيجية مع روسيا والصين؟ وهل يمكن أن تصبح إيران بعد الاتفاق خنجر في الخاصرة الروسية؟
د. حماد: هناك اتفاقيات استراتيجية بقيمة 500 مليار دولار مع روسيا والصين – وهذا يدحض كل من يتكلمون على فك الارتباط مع روسيا والصين، فعلاقة روسيا بإيران كبيرة جداً، وهي تمتد حتى ثمانينيات القرن الماضي، لأنه قبل موت الخميني أرسل الى جورباتشوف رسالة طالب منه بوقف علاقة الاتحاد السوفيتي (الذي كان يطلق عليها الشيطان الأصغر في إيران) مع أمريكا (الشيطان الأكبر)، ومن وقتها توقف الإعلام الإيراني عن وصف الاتحاد السوفيتي بهذا الوصف.
هل سيشكل الاتفاق اقتصادياً نقلة نوعية لإيران كما يدعي الإعلام الغربي وحتى الإيراني؟
د. حماد: بالعكس إن انسحاب أمريكا كان فرصة ذهبية وهذا يجعل إيران تمتلك قدرات متزايدة تصل الى 100% حتى تأتي أمريكا صاغرة لرفع العقوبات دون أي تنازلات وهذه هي عقلية الإيراني صاحب القرار، وأيضا الغرب يحتاج هذا الاتفاق للتخلص من العبء الخليجي والروسي وتمدده إلى المحيط الهندي. وعليه فالغرب كان متلهفا عكس ما يشاع لهذا الاتفاق. فالحلم الأمريكي منذ جيمي كارتر حتى اليوم هو استرداد إيران حتى تكون تحت الحماية الغربية كما كانت أيام الشاه. لأن إيران صاحبة لعبة الشطرنج وعلى رقعة الشطرنج إيران تمثل الحصان يمكنه ضرب ثمان قطع بتحركاته – قبل الجمهورية الإيرانية كانت أمريكا لم تكن مهتمة بدول الخليج كما الآن وإيران كانت تجب حتى إيران وباكستان والهند. فمن يجلس في إيران يجلس على قمتي من أطول جبال في العالم (زاغروس وألبورس) والتي كانت بها أبراج تجسس أمريكية ضد روسيا على موسكو وبحر قزوين.
السؤال الأهم، ما يعطل إلى الآن تطبيع العلاقات المصرية الإيرانية قطبي المنطقة؟ هل هي الدولة الدينية الأمور الثقافية، الضغوط الدولية؟ جدير بالذكر أن إيران لديها علاقات طبيعية بكل دول الخليج بما فيهم السعودية؟
د. حماد: تعتبر الإمارات ثالث أكبر حليف اقتصادي لإيران مع أفغانستان والعراق وأول أكبر شريك اقتصادي عربي مع إيران، والسعودية كان لديها علاقات كاملة مع إيران وحتى بداية حرب اليمن في 2015، حيث لا ننسى الملك السعودي عبد الله وهو يحتضن أحمدي نجاد ومحمد بن زايد في القمة الاسلامية بالرياض في 2012 وهذه الصورة حجة، لأن النظامين السعودي والإماراتي لم يتغيرا.
والملك سلمان نفسه وولي العهد الأمير محمد بن سلمان وكذلك ضاحي بن خلفان من الإمارات صرحوا أن إيران دولة جوار – السعودية تواقة لإعادة العلاقات لإنهاء أزمة اليمن، وناهينا عن العلاقات الجيدة مع كل من عمان وقطر والكويت، وفي النهاية تبقى العلاقات المصرية لغز منذ 1979 وحتى اليوم.
ربما الإمام الخميني قطع العلاقات بسبب كامب ديفيد وإيواء محمد رضا بهلوي، وكأن مصر السادات وقفت في خصومة مباشرة مع إيران، بسبب لجوء الشاه لمصر وتهريب أمواله إلى الخارج.
ربما يكون هناك خطا من جانب إيران أيضا، لأن السادات ربما أعتقد ان عليه دعم شاه إيران لوقوف إيران مع مصر ضد اسرائيل في حرب 1973.
تطورت الازمات بعدها وخصوصا في الحرب العراقية الإيرانية ومصر طبعا كانت داعمة للعراق ومصر ودورها في تحرير جزيرة الفاو، وهذا الأمر كان سببا في تقليص النصر الإيراني على صدام حسين.
ربما لأن مصر وإيران من القوى الاقليمية ذات الثقل والعمق الحضاري، ولكل منها سيناريو لإدارة مصالح الإقليم.
أيضا الملف الاسرائيلي ومعاهدة كامب ديفيد بسبب العداء الإيراني لكل من أمريكا وإسرائيل.
كذلك دول الخليج نفسها حيث يعتقدون أن مصر ربما تستبدل الدول الخليجية بإيران، وهذه فكرة خاطئة.
التصرفات الإيرانية ايام نظام البشير في السودان، ودعم إيران للمتأسلمين في جنوب مصر.
علاقة إيران مع حماس وتجريئها على مصر، وكان خطئا من حماس أيضا لأنه ليس بديلا لعلاقات مع مصر القريبة العربية والذي أدركوه فيما بعد.
ومع عداء حماس لمصر في 2009 و2011 وأحداث ثورة يناير، وخصوصا الحصول على أسراهم من سجن وادي النطرون وظهور هؤلاء الأسرى في شاشاتهم، وكأنهم انتصروا على مصر وحصلوا على الاسرى، فهذا لم يكن سلوكا موفقا من حماس وحزب الله في وقت الثورة المصرية بل كان يجب أن يظهروا دعمهم لمصر في وقتها.
وللتذكير، فـ المغول هزموا إيران، ومصر هزمتهم، وكانت السلطنة العثمانية تستقوي على أوروبا من خلال التحالف مع مصر وحكم مصر، فالحسابات الخاطئة إقليميا لبعض الدول والقوى له دور في سوء العلاقة بين البلدين مصر وإيران.
خاص وكالة رياليست.