القاهرة – (رياليست عربي): فرضت التطورات الأخيرة في سوق الطاقة نفسها بشكل كبير على الساحة الدولية، بداية من تخفيض روسيا لإنتاجها بنصف مليون برميل وكذلك تصريحات وزير البترول الإماراتي بالخوف من جانب العرض وليس الطلب في 2023.
ولتفاصيل أكثر، مقابلة مع الخبير الكبير والوزير السابق م. عبد الله غراب، على “عين على الشرق“:
تصريحات الوزير عبد الله غراب لـ “عين علي الشرق”:
“لا مفر من التعاون بين المستهلكين والمنتجين في صناعة النفط.”
“مصر لم تبح بكل أسرارها في مجال النفط والغاز.. وتدفق الاستثمارات وهرولة كبريات الشركات يعكس ثقة كبيرة في استقرار مصر.
“من الصعب التنبؤ بأسعار النفط في المستقبل.. إلا أن السعر العادل هو 80 دولار للبرميل.”
“الطلب على النفط يزداد وصناعة البترول بحاجة إلى استثمار 12 تريليون دولار.. مع حالة الخوف من نقص العرض.”
هل أسعار النفط آخذة في الزيادة، ومتوقع وصولها لحوالي 110 دولار للبرميل؟
تعد أسعار البترول دائما من الموضوعات الحساسة، ولا توجد معادلة لحساب التوقعات عليه للوصول لسعر معين – سابقا وعلى مدى الخمسين عاما الماضية كان النفط مرتبط بالحرب مثلا عام 1973، حيث زاد سعر البترول من 4 دولار إلى 34 دولار – ولكن هذه الأيام الوضع مختلف فالتوترات الدولية تؤدي إلى ذبذبات في السعر وهي مرحلية – بالنسبة للسعر العادل لو زاد السعر بشكل كبير سيكون صعب جدا على المستهلك، وسيقل الاستهلاك والعكس إذا انخفض السعر بشكل كبير لن يشجع المنتجين على الإنتاج لأنه غير مجدي له، فيجب وجود هامش معين يحقق مصلحة الطرفين يتراوح ما بين 80-100 دولار، الخلاصة هو الاستقرار في السعر.
الكثير من الخبراء يتفادون مسألة التنبؤ وبالتالي صعب تحديد السعر في 2023؟
بكل تأكيد – لكن توجد توقعات وخصوصا مع الازمة الاوكرانية التي ربما تستمر، ولها ازمة كبيرة في اوروبا والغرب اكثر منها مقارنة بـ روسيا – وكان من الخطأ وضع سقف لسعر النفط من قبل الدول الاوروبية المستهلكة، وعليه سخرت روسيا من هذا القرار، بل وقللت إنتاجها لأن هذا السوق هو (سوق منتج) بامتياز، خصوصا مع دولة منتجة بحجم ثقل روسيا الاستراتيجي والنفطي – فلن يستقر السوق – ونتكلم عن تنمية مستدامة أي أمر مستمر لفترة طويلة، ومع التعاون، غير التنافس، سيستقر السعر لمصلحة الجميع لأن كل الأطراف العالمية تحتاج بعضها البعض.
بعض الخبراء يرون أن انخفاض الإنتاج من دول كبرى كروسيا وغيرها قد يؤدي لارتفاع السعر فوق الـ 100 دولار؟
كلام واقعي، مع انخفاض الانتاج وكذلك خروج ليبيا من السوق العالمي لأوضاع داخلية ما، وعليه تم إعادة توزيع الكوتا أو النسب ما بين الدول المنتجة – وحاليا الدول المنتجة الأعضاء في أوبك تنتج 30 % وخارج اوبك 50 % مثل روسيا فتحتم التعاون ما بين الدول المنتجة جميعا في انتاج الـ 20 مليون برميل يوميا، ودول العالم لن تسمح بزيادة السعر بشكل كبير وعلى الدول أن تتعاون لتنتهي أزمة ارتفاع الأسعار.
هناك عوامل تتداخل لتحديد سعر برميل البترول وخصوصا الأوضاع الاقتصادية والطلب والأحداث الجيوسياسية – هل هناك عوامل أخرى؟
أولاً، استقرار الدولة وقوتها – لدي منهج خاص ومقتبس من نجيب محفوظ وحصوله على نوبل بسبب إغراقه في المحلية. وعليه اتكلم عن مصر وما يتم اكتشافه في البحرين الاحمر والابيض والمياه العميقة وكم الشركات الاجنبية المستثمرة في المجال – وايضا لدينا مثال كبير في حقل ظهر في المتوسط باستثمارات من (شركة ايني الايطالية) في عام 2015 – لو لم تكن الدولة مستقرة وقوية وبها سوق وبنية تحتية واستثمارات حيث وصلت الاستثمارات في هذا المجال لحوالي 9 مليار دولار.
ثانياً، سعة السوق المحلي وايضا القدرة على التصدير بديلا عن الاستيراد، وطبعا مع غياب روسيا عن سوق الغاز في أوروبا لا يمكن أن نحل كمصر محل روسيا منطقيا – ولكن كل دول أوروبا تأتي لمصر لكي تستورد الغاز منها كبديل واقعي.
ثالثاً، الأمان وهذا عنصر مهم للغاية، ثم بعد ذلك موضوع ادارة المزايدات نفسها وأي شركة يمكن المصداقية فيها، والمصالح المشتركة وليس المصالح الشخصية.
ما الذي تغير في مصر بحيث يسمح بتدفق شركات طاقة متعددي الجنسيات للعودة وإعادة اكتشاف مصر؟
تحرير أسعار المنتجات البترولية في السوق المصري والذي كاد أن يخرب الاقتصاد المصري لأن الدعم كلفنا حوالي تريليون جنيه مصري – الدولة يبتدىء بناءها من الشخص، فالوضع كان سيء لا يسمح بالتنمية ولا بـ التعديلات ولا معامل التكرير المناسبة ولا أموال يمكن أن تعطى للشركاء الأجانب. وهذا إنعكس على الصادرات بل زادت واردات الطاقة، ولكن تحرير أسعار البترول أعطتنا حصيلة مالية نصرف منها على الخدمات.
هل جزء من ما هو حادث أن مصر لم تبح بكل أسرارها الخاصة بالطاقة؟
ربما تباطأنا كثيرا في العمل – ولكن هناك تناقض ربما نحب المستثمر جداً ولكن أيضاً لا نثق فيه بشكل كبير – كان هذا سابقاً هناك أمور لا يمكن للدولة وحدها أن تديرها – وعليه في مجال الطاقة ربما القطاع الخاص أفضل من الحكومة والمستثمر هو من يدفع عجلة الاقتصاد.
هناك رأي يقول إن مع انفتاح الصين مرة أخرى سيصبح هناك حالة من الطلب بعد التخلي عن سياسة (زيرو كوفيد) ولكن على العكس بالنسبة لأسعار الفائدة وربما تنخفض الأسعار؟
لو عرفنا السبب في (ارتفاع وانخفاض الفائدة) سنعرف السبب، نحن لا زلنا في مرحلة تجارب ولا ندرك ما سيحدث، فأي تذبذب يضر بسلاسل التوريد في العالم كله، والنتيجة إما كساد وإما تضخم، فلو حدث كسر في أي حلقة ستخرب الدنيا – ومثال ذلك (سفينة إيفرجرين) ماذا حدث – تعرف العالم على قيمة قناة السويس. وهذا برر قيمة التوسعة في قناة السويس، وحركة الملاحة تؤثر لأن سفن البترول إذ لم تذهب إلى معامل التكرير في وقت مناسب ستتوقف الدنيا، فلا بد من الهدوء والاستقرار والمصالحة أفضل حل.
هناك حالة من عدم اليقين بشأن الحظر الأوروبي على النفط الروسي، وما يقرره أوبك بلس على مستقبل الطاقة في العالم؟
العملية معكوسة، المتضرر يفرض قيود على المستفيد، لو رأينا فمن المستفيد ومن الخاسر؟ الغرب هو الخاسر عدا ربما أمريكا وبريطانيا إلى حد ما لتوافر الطاقة لديهم، ولكن ألمانيا تضررت كثيرا. فـ على من تفرض عقوبة على غيرك أم على نفسك؟ الوضع غريب للغاية العقوبات تأتي بنتائج عكسية، والموقف الروسي أكثر صرامة وقوة، وهناك تحالف روسي صيني هندي في مقابل الغرب، والوضع لن يستمر كثيرا، وحتماً سيحدث في المستقبل التعاون والاستقرار والاستدامة، ولكن بعد درس مكلف للغاية. وعليه فإن المشاكل الداخلية طاردة لأي مستثمر، والشعوب من تدفع الثمن.
أدار اللقاء: الأستاذ محمد صابرين.
تصوير وإخراج: إسلام قطب.
إنتاج وتحرير وترجمة: أ. أحمد مصطفى – رئيس مركز آسيا للدراسات والترجمة.