القاهرة – (رياليست عربي): لا بد من التوقف أمام سؤال كبير إلى أين يتجه العالم أمام تسارع الاحداث التي تحدث، للحديث عن هذا الموضوع، قال أ. د. سيد فليفل أستاذ التاريخ بكلية الدراسات الإفريقية بجامعة القاهرة، في مقابلة خبراء عين على الشرق:
“مصر تبذل جهوداً جبارة لوقف التصعيد بالمنطقة وتتمسك بـ سياسة صفر مشاكل.. وتحافظ علي الصبر الاستراتيجي مع دول الجوار.”
-“العالم لم يعد يتحمل الحروب التي لا تنتهي.. والمؤشرات تحمل بوادر حرب باردة جديدة”
-أفريقيا لم تعد تقبل بوصفات الغرب القديمة وتبحث عن شراكات مربحة مع الصين وروسيا والهند واليابان.”
– “النظام العالمي الجديد قادم لا محالة.. ولن يتعطل بإسقاط منطاد او ازدواجية معايير في التعامل مع القضية الفلسطينية وضحايا زلزال سوريا.”
السؤال الأكبر الذي يدور حالياً في أذهان المفكرين العالميين – إلى أين يتجه العالم؟
د. فليفل: نحن على بعد عشرين عاما من غزو العراق وثلاثين عاما من انهيار الاتحاد السوفيتي، منذ إعلان بوش الاب “نظام عالمي جديد” والفترة الماضية تعد فترة إكراه وأدت سياسة الاميركية في العالم لغياب بعض الدول من على الساحة الصومال والعراق وليبيا وسوريا والوضع جعل العالم في حال تمليل وجعل بعض الدول من القوى الجديدة في آسيا والجنوب وأمريكا اللاتينية لشكل جديد لمقابلة هيمنة الولايات المتحدة ونحن حاليا بصدد إعادة عالم متعدد الأقطاب ومنع انفراد قوة واحدة بالشئون الدولية.
هل تشعر بالقلق؟ أم هي ولادة متعسرة لنظام عالمي جديد؟
د. فليفل: طبعاً ميلاد صعب – وقد ربما يستغرق زمنا مقابل لزمن بناء النظام العالمي السابق، وخصوصا في تاريخ الدول لا يكون السقوط سهلا للإمبراطوريات وأثمان باهظة ستدفع وستكون أمريكا في منتهى العدوانية وكتاب روبرت ماكنمارا غطرسة القوة يشير الى ذلك.
لقد حدثت هيمنة القطب الواحد بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، هل ترى أن الفترة الزمنية لانهيار القوى الحالية لن تقل عن هذه الفترة الخاصة ببنائه؟
د. فليفل: ربما القوى الجديدة في أسيا وكذلك روسيا مستعدة لإدارة الأمور وربما نحتاج لوقت أقل، ولكن ما يخشى منه هو توجه الناتو ودول مثل امريكا وبريطانيا واستراليا ونيوزيلندا واليابان وكوريا الجنوبية لبناء حزام بحري يطوق القوى الاسيوية والتحكم في مسارات التجارة الدولية من الجنوب مواجه لمشروع الطريق والحزام.
ونحن في ذكرى 20 عاماً من غزو العراق، وهناك مظاهرات في واشنطن لمواجهة الحروب التي لا تنتهي، ويتحدث الخبراء عن أن غزو العراق خلق فراغا استراتيجيا والعلاج الذي وصفه بوش وتوني بلير كان أسوأ من المرض لأن الفوضى والاضطراب اسوأ، كيف تقيمون ذلك؟
د. فليفل: النموذج البارز لغباء الانفراد الأمريكي بالنظام الدولي مأساة العراق وكذب مزاعم الولايات المتحدة عن امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل وأيضاً فض الجيش العراقي أي فتح الباب للفوضى وفتح الباب لأمريكا أو لجيران العراق لاستنزاف ثروات العراق، وجعل العراق من أفقر شعوب الأرض وهجرة كبيرة بالملايين حدثت من العراق، حاليا 63% من الأمريكيين يطالبون بسرعة إلغاء حالة الحرب وأن الغزو كان خاطئا، وكان حوار مادلين أولبرايت كاشفا من خلال إقرارها بأن قتل مليون عراقي كان ثمن يستحق لمصلحة امريكا، وعليه نرى أن العقلاء في العالم ينادون بنظام متعدد الأقطاب.
أكان سقوط الشعار البراق “تغيير النظام بالقوة وإعادة بناء الدول مرة أخرى” الأمر الأهم من خلال تجربتي العراق وأفغانستان؟
د. فليفل: بكل تأكيد – عندما دخلت أمريكا أفغانستان تذرعوا بوجود القاعدة وداعش وقبل الخروج باتا أكثر قوة وحصلوا على سلاح بحوالي 17 مليار دولار طبقا للتقارير، اما للعراق فـ فقدان دولة مركزية ذات نظام اجتماعي وتعليمي راق، وعلماء ومبدعين وأصبحت مجالا للجماعات الإرهابية وسقطت الدولة في وقتها كان مؤشر على فشل التجربة الأمريكية عجلت الحاجة لنظام عالمي جديد.
هناك اختراقات ونجاحات دبلوماسية كبيرة للقوى الجديدة التي تقدم رؤية جديدة للنظام العالمي متعدد الأطراف وخصوصا بعد التقارب السعودي الإيراني وايضا التحالفات مع الدول الأفريقية دليل آخر على ذلك – كيف ترون ذلك؟
د.فليفل: نجاح القوى الشرقية الجديدة مع السعودية كادت تحل محل تجربة امريكية خليجية كبيرة إبتدأت منذ تسعينيات القرن الماضي مع غزو الكويت وايضا على محاولة حماية دول الخليج من الفزاعة التي روجوها في وقتها (إيران) ولك يحدث شيء. بينما القوى الجديدة أعادت المفاوضات وتبريد التوتر وتصفير المشاكل والتفاعلات غير الايجابية مثل الأمور الإعلامية والمناوشات التي تحدث من اليمن، وعليه اقبل الخليج على هذه التجربة مع الصين وكان أمريكا غير موجودة وتوصلت السعودية وإيران لحل لم تقدم أمريكا على تقديمه.
أما فيما يخص افريقيا – لوحظ أن الوجود الغربي في غرب أفريقيا وبرغم انتشار الاسلام السياسي لم يحمي هذه الدول من التطرف كما كان متوقع فلماذا الغرب موجود – وعليه عادت الدول الإفريقية للانقلابات وطرد القوات الغربية التي كانت فقط تتدخل سياسيا في الدول وتفرض اجندة معينة دون وضع حلول – اما الصين قامت بإجراءات تنموية عبر المنتدى الصيني الأفريقي وعممت التنمية من خلال مشاريعها التنموية وتنمية التجارة التبادلية وتعديل اللوجستيات من موانئ ومطارات وبنى تحتية كانت تتوقعها هذه الدول من الغرب والأخيرة لم تعير افريقيا اهتمام.
وعليه قال رئيس الكونغو للرئيس الفرنسي عليكم أن تتعاملوا معنا باحترام ولا تقوموا لدينا فقط بزيارات سياحية.
تمكنت مصر كزعيمة للدول الافريقية إقامة قمة المناخ وتبنت شعار التعويضات الافريقية من قبل غرب – فكيف ترون الرؤية المصرية؟
د. فليفل: يتشابه الموقف مع الموقف المشرف للرئيس الراحل عبد الناصر، ومحاولة الحياد ما بين الشرق والغرب، ويظهر من القيادة المصرية إعلاء روح المصالح الوطنية وعلى حاجة المواطن المصري للتنمية جعلت السياسة المصرية الخارجية لتصفير المشاكل وكذلك تبني عودة سوريا وجذب العراق للمحيط العربي وإعادة بناء مواقف عربية والتفاهم مع تركيا للخروج من ليبيا وموضوع غاز شرق المتوسط وعددا كبيرا من الدول – وتتميز مصر بالصبر الاستراتيجي ولولاه ما كان يمكن أن يحدث لقاء مصري تركي. وهذا انعكس بدوره انعكس على مستوى التنمية الموجود حاليا.
وتعددت زيارات الرئيس المصري للقوى الجديدة تبرهن أن لا بد من تعدد مفاتيح القوى والاقتباس من انظمة تنموية متعددة كلما كان الخط التنموي أقرب للواقعية.
بالنسبة لمسائل اسقاط المنطاد الصيني – والمسيرة الأمريكية فوق البحر الأسود – وامر اعتقال بوتين وازدواجية المعايير في القضية الفلسطينية وضحايا الزلازل في سوريا – هذا يعد ملامح مخاض لنظام عالمي جديد؟
د. فليفل: لأن مثلا تعامل أمريكا في الشأن الأوكراني وكم الاهتمام الذي أولته لأوكرانيا مقارنة بما يحدث مع فلسطين والشعب الفلسطيني وعلى مدار عقود كاملة فهي تدعم المحتل في مقابل المظلوم.
كذلك الأمر بالنسبة للمواطن السوري مقارنة بالتركي في موضوع الزلزال وعليه اجبر هذا الوضع الأمم المتحدة على فتح باب المساعدات لسوريا.
أما بالنسبة لمسألة المنطاد – فأمريكا لم تعد وحدها التي تملك القرار الإستراتيجي للعالم وولادة نظام عالمي جديد أمر لا مفر منه ولكن ربما سيكون الثمن فادحا، والإفلاس المعنوي يظهر في قرار الجنائية الدولية في موضوع اعتقال الرئيس بوتين.
تقديم: الأستاذ محمد صابرين.
إعداد وإنتاج وكتابة: الأستاذ أحمد مصطفى – رئيس مركز آسيا للدراسات والترجمة.
خاص وكالة رياليست.