دمشق – (رياليست عربي): أكد الخبير بالشأن التركي “سركيس قصارجيان”، أن الانتخابات التركية المنتظرة ستحدد شكل ونوع الجمهورية في القرن القادم، وذلك في الوقت الذي يتزامن فيه الاستحقاق القادم مع مرور قرن من الزمن على قيام الجمهورية التركية.
وأوضح في مقابلة مع “رياليست” تنشر على جزئين، أن هذه الانتخابات من الممكن اعتبارها أهم عملية استحقاق انتخابي في تاريخ الجمهورية التركية منذ إعلانها، لافتاً إلى أن ما يميز هذه الانتخابات هو الاختلاف الكبير لدرجة التناقض بين البرنامجين الانتخابيين أي برنامج السلطة الحاكمة وبرنامج المعارضة.
كيف تقرأ الاستعدادات للانتخابات التركية المنتظرة؟
الاستعدادات للانتخابات التركية ليست وليدة الأسابيع أو حتى الأشهر الأخيرة، لقد بدأت من كل الأطراف بعد الانتخابات المحلية عام 2019 بالتزامن مع تبدل الصورة التقليدية للسياسة التركية عبر حصول المعارضة على العديد من البلديات الكبرى وبالتحديد بلدية اسطنبول التي قال عنها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إن من يترأس بلدية اسطنبول يحكم تركيا، وذلك بناءً على تجربته الشخصية عندما كانت طريقا لوصوله هو وحزب “العدالة والتنمية” للسلطة، وبالتالي المشهد اليوم أن صح التعبير بمثابة اللمسات النهائية للعمل الدعائي على كافة المستويات للحملة الانتخابية التي بدأت منذ 4 سنوات تقريباً.
ومن هنا ننتقل لمعرفة أهمية تلك الانتخابات فيما يتعلق بالداخل التركي؟
هذه الانتخابات من الممكن اعتبارها أهم عملية استحقاق انتخابي في تاريخ الجمهورية التركية منذ إعلانها، ولذلك سميت بـ “انتخابات القرن” ليس فقط لأنها تجري بعد قرن من إعلان قيام الجمهورية التركية، ولكن أيضا لأنها ستحدد نوع وشكل وطبيعة الجمهورية للقرن القادم.
معنى ذلك أن لهذا الانتخابات صفات أو سمات عن أي انتخابات أخرى طيلة 100 عام عمر الجمهورية التركية؟
نعم، إن ما يميز هذه الانتخابات هو الاختلاف الكبير لدرجة التناقض بين البرنامجين الانتخابيين أي برنامج السلطة الحاكمة وبرنامج المعارضة، يجب الإدراك في هذا الصدد، أن هذه الانتخابات لن تحدد شخص الرئيس التركي القادم فقط أو ترسم شكل الأكثرية والأقلية في البرلمان، ولكنها ستحدد العديد من الأسس في الجمهورية التركية، وفي صدارة ذلك نظام الحكم حول مدى أن يبقى نظام الحكم “رئاسياً” كما اعتمد من جانب “اردوغان” أم العودة إلى النظام التقليدي الذي عرفته البلاد في عقود ماضية منذ تأسيس الجمهورية، والمقصود هنا “البرلماني” الذي يأتي بصلاحيات كبرى لرئيس الوزراء، وأيضاً ستحدد تلك الانتخابات أصدقاء وأعداء تركيا حيث رأينا خلال العقد الاخير بشكل خاص اختلاف للرؤية التركية فيما يخص الحلفاء والأصدقاء والأعداء، من الواضح حالياً أن تركيا أقرب إلى روسيا عن حلف الناتو الأمر الذي يتناقض مع الموقف التركي السائد منذ انضمام “أنقرة” إلى حلف شمال الأطلسي، وأيضاً تركيا متسقة أكثر مع السياسات الشرقية على عكس سنوات قبل عام 2010 بما فيها فترة حكم “العدالة والتنمية” الذي كان الهدف الأبرز وقتها لنظام “أردوغان” الاتساق مع السياسات الأوروبية والانضمام اليها والتماشي مع القيم الغربية فيما يخص حقوق الانسان والاقليات والموضوعات الخاصة بحماية النساء والاطفال والمثليين بالإضافة إلى سياسات اقتصادية، فهناك العديد من الفروقات في الحقيقة وعلى أرض الواقع، لذلك فأن هذه الانتخابات مصيرية لتركيا.
كيف ترى أهمية هذه الانتخابات وتأثيرها على الجوار العربي والإقليمي والدولي؟
تركيا انتهجت كما قلت في السنوات العشر الأخيرة سياسات غير تقليدية فيما يخص علاقاتها مع دول الجوار، السياسة التركية قبل وصول “أردوغان” وحزبه إلى السلطة كانت تعمل من منطلق مبدأ توطيد العلاقات مع دول العالم العربي لكن دون التدخل في شؤون تلك البلدان، هذه السياسة تغيرت في العقد الأخير حيث تجاوز الأمر تدخل تركيا في الشؤون الداخلية للدول العربية واعتبرت نفسها صاحبة قرار فيما يخص نظام الحكم في تلك البلدان وطبيعة علاقات حكام الدول العربية مع بعضهم البعض فضلاً عن بناء موقف تركيا الداعم لدولة قطر وقت الحصار الخليجي وأيضاً موقف رافض من وصول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى الحكم ودعم الرئيس الأسبق المنتمي لجماعة “الإخوان المسلمين” محمد مرسي، وفيما يخص تونس كانت تصريحات تصعيدية استفزازية وأيضاً في السعودية والإمارات، وإقليمياً كان التدخل التركي المباشر في صراع جنوب القوقاز بين أرمينيا وأذربيجان بالقيام بدعم الأخيرة لوجيستياً وسياسياً بعد أن كانت المساندة عبر المواقف فقط في السابق فضلاً عن الدور الأبرز لتركيا في سوريا وبالتالي نتيجة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية يتم متابعتها في المنطقة العربية وأيضاً من قبل الدول الإقليمية عن قرب لأنها ستحدد طبيعة علاقات تلك الدول مع تركيا وسياساتها المستقبلة مع أنقرة.
بحسب الأجواء الانتخابية الدعائية وأوضاع الشارع السياسي، لمن تذهب المؤشرات حتى الآن.. هل العدالة والتنمية أم المعارضة في وقت ترى فيه التقديرات أن الغلبة الآن للمعارضة؟
من المبكر الحديث أو البت في توقعات ولكن حالياً يبدو هناك تفوق للمعارضة في كل من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، ومن المهم جداً هنا الاشارة إلى أن قانون الانتخابات الذي جاء به الرئيس التركي “أردوغان” يعمل ضده في هذه الانتخابات بمعنى انه حاول هندسة وتفصيل هذه القانون بشكل الأنسب له ولكي يتمكن من الاستفادة منه بأقصى حد ممكن ولكن بحسب تقديرات لقد نجحت المعارضة في تحقيق المعجزة بالاجتماع حول الطاولة السداسية أولاً، ومن ثم الاتفاق مع التحالفات الاخرى من أجل الإطاحة بـ”اردوغان” على الرغم من عدم وجود تحالف بينهم فيما يخص الانتخابات البرلمانية.
وعند الحديث عن تفوق المعارضة ، فهذا التفوق لا يتعلق بالطاولة السداسية فقط ولكن يعني خسارة “العدالة والتنمية” بالأغلبية البرلمانية ولكن قد تؤدي أو تنشأ تحالفات لاحقاً بعد الانتخابات تعيد لـ”العدالة والتنمية” الأغلبية الإئتلافية إن صح التعبير، حالياً معظم التقديرات تشير إلى أن ممثل “تحالف الأمة” والمعارضة السداسية والمدعوم من جانب تحالف العمل والحرية اليساري، زعيم حزب الشعب الجمهوري “كمال كليتشدار أوغلو” متقدماً على “أردوغان”، ولكن لا يبدو أنه قادر على حسم المعركة الانتخابية للرئاسة من الجولة الأولى، وبالتالي هناك احتمال كبير للغاية بأن تشهد الانتخابات جولة ثانية والاحتمال الأكبر بحسب المعطيات الحالية قد يفوز بها “كمال كليتشدار” ولكن يجب التأكيد على أنه من المبكر البت في نتيجة الانتخابات لأن المنافسة محتدمة وتسير على مستوى واحد.