موسكو – (رياليست عربي): إن إبرام صفقة حبوب جديدة بمشاركة روسيا وتركيا وقطر أمر ممكن تماماً وإذا كان هذا مهماً لأنقرة بسبب ضمان الأمن في منطقة البحر الأسود ولأسباب اقتصادية، فإن مشاركة الدوحة في الاتفاقية ستوفر ثقلاً سياسياً أكبر.
تحولت بودابست إلى إحدى “عواصم العالم” ليوم واحد. وزار المجر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ورئيس تركمانستان سردار بيردي محمدوف، وغيرهم من القادة ورجال الأعمال من العديد من الدول الأوروبية والآسيوية، حيث وصل إلى العاصمة المجرية ورئيس تتارستان رستم مينيخانوف. ويتضمن جدول أعمال رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان 15 اجتماعاً ثنائياً.
وتزعم الصحافة الغربية أن وصول ممثلي روسيا وتركيا وقطر إلى بودابست يشهد على الإعداد لصفقة حبوب جديدة لتحل محل الصفقة التي انتهت صلاحيتها في منتصف يوليو، وكان المشاركون في الاتفاق السابق، بالإضافة إلى الاتحاد الروسي وتركيا، أوكرانيا والأمم المتحدة. تم التوقيع على الاتفاقية في إسطنبول في يوليو 2022، وتم تنفيذ جزء منها – أي تصدير الحبوب الأوكرانية من ثلاثة موانئ – من قبل الأطراف بشكل لا تشوبه شائبة، لكن الجزء الثاني، المتعلق بإزالة القيود المفروضة على وصول المنتجات الزراعية والأسمدة الروسية إلى السوق العالمية، لم يتم تنفيذه قط. وقد لفتت موسكو الانتباه إلى هذا الأمر كثيراً، ونتيجة لذلك، رفضت في 17 يوليو تجديد مبادرة البحر الأسود.
بالتالي، إن ظهور “مبادرة جديدة للبحر الأسود” يصب في مصلحة تركيا بالكامل. ووفقا له، تسعى أنقرة الآن إلى الحد من المخاطر الجيوسياسية المرتبطة باحتجاز السفن الأجنبية المتجهة إلى أوكرانيا في البحر الأسود.
أيضاً، يرغب الرئيس التركي في استخدام صفة الوسيط في الصفقة مرة أخرى، وبعد أن أداها عام 2022 تحسنت صورته “عشية افتتاح الدورة المقبلة للجمعية العامة للأمم المتحدة، يود أن يفعل ذلك مرة أخرى”، كما أن اتفاق الحبوب الجديد سيساعد أنقرة أخيرا على خفض أسعار المواد الغذائية.
تركيا لديها مصلحة اقتصادية، وأكثر من 80% من واردات القمح التركية تأتي من روسيا وأوكرانيا، كما أن الاقتصاد التركي ليس في أفضل حال الآن، لذا فإن سعر الخبز مهم للغاية، خاصة عشية الانتخابات المحلية التي ستجرى في تركيا في مارس 2024.
ومن بين المستفيدين الآخرين من مبادرة البحر الأسود المحتملة قطر، فإن هذا يمكن أن يساعد الدوحة على زيادة ثقلها السياسي، حيث تمارس قطر سياسة خارجية نشطة منذ عام 2010، ومن المستحيل القول إنه يسترشد بالاعتبارات الاقتصادية، وخاصة فيما يتعلق بمسألة صفقة الحبوب الجديدة، كما تدعي قطر أنها مركز القوة الجديد في الشرق الأوسط، حيث أصبحت ثقلاً موازناً للسعودية.
بالإضافة إلى ذلك، إن قطر ستطالب لاحقاً بدور الوسيط في تسوية الصراع الأوكراني، والفرق الرئيسي بين تركيا وقطر هو أن قطر قادرة على إنفاق الأموال بهذه الطريقة، في حين أن تركيا لا تستطيع ذلك، فأنقرة مستعدة للعمل كمشغل شحن تجاري باستخدام أسطولها، في حين أن الدوحة بمثابة المحفظة، إنها دائماً سعيدة بإنفاق الكثير من المال على المشاريع الجيوسياسية.
أما بالنسبة لروسيا، فهي مهتمة بالعودة إلى صفقة الحبوب، لأنها توفر فرصة لسحب بعض الشركات وحتى الصناعات الروسية من العقوبات.
بالنتيجة، إن التوسع في جغرافية الدول المشاركة في الصفقة سيساعد على التحكم بشكل أفضل في الامتثال للشروط، خاصة وأن قطر تعتبر محايدة بالنسبة لجميع الدول التي وقعت على مبادرة البحر الأسود.