القاهرة – (رياليست عربي): كشف الدكتور عباس شراقي، أستاذ الموارد المائية والجيولوجيا بجامعة القاهرة، مفاجأة من العيار الثقيل تتعلق بسد النهضة الإثيوبي، موضحاً أن تراكم وترسيب “الطمي” يعجل بالعمر الافتراضي لسد النهضة الإثيوبي ،مشيرا إلى أن الصور الفضائية في الأيام الأخيرة، تظهر استمرار فيضان المياه أعلى الممر الأوسط بكمية تقدر بحوالى 50 مليون متر مكعب في اليوم ، نتيجة توقف التوربينين، وغلق بوابتي التصريف، وسوف يتوقف تدفق المياه من أعلى في حالة تشغيل التوربينات أو أحدهما بكفاءة تصريف من 50 إلى 100 مليون متر مكعب في اليوم أو فتح إحدى بوابتي التصريف.
وقال “شراقي” إن الهضبة الاثيوبية تتكون من جبال بركانية بازلتية تراكمت في العصور الجيولوجية القديمة نتيجة وجود الأخدود الأفريقي العظيم الذى يقسم إثيوبيا نصفين، وترتفع الجبال إلى أكثر من 4620 متر فوق سطح البحر، وتكون نظام مطري فريد حيث تسقط الأمطار بغزارة في موسم قصير من شهر يوليو إلى سبتمبر مندفعة من أعلى الجبال، تعمل بشدة على تعرية الصخور البازلتية التي تتكون من أضعف المعادن وهما الأوليفين والبيروكسين، أما الأغنى من حيث العناصر الكيميائية، هم سيليكون، صوديوم، بوتاسيوم، كالسيوم، حديد، ماغنسيوم، منغنيز، وهي الضرورية للنباتات، ولذلك فإن البازلت يكون أخصب الأراضي الزراعية، وتكونت حوالى %95 من التربة الزراعية في السودان ومصر من الرواسب الإثيوبية.
وأشار “شراقي” إلى أن جميع الأنهار التي تنبع من إثيوبيا تتميز بكمية طمى هائلة تصل في حوض النيل الأزرق إلى حوالى 200 مليون متر مكعب في السنة، ولهذا سمي بالأزرق، وعند انتهاء اكتمال سد النهضة فإن السعة التخزينية سوف تقل تدريجيا كل 5 سنوات بمقدار مليار متر مكعب نتيجة ترسيب الطمى، وسوف يتوقف التوربينات الحالية عند مستوى منخفض 565 متر بعد حوالى 17 عاما، ثم باقي التوربينات عند مستوى 595 متر بعد 70 عاما وهو العمر الافتراضي للسد طبقا للظروف الحالية، هذا إن لم يحدث انهيار قبل ذلك نتيجة العوامل الجيولوجية المختلفة، مشيرا إلى أن العمر الافتراضي للسد العالي قدر بـ 500 سنة، وبعد مرور أكثر من 51 سنة على إنشائه ازداد عمره إلى أكثر من 550 سنة نتيجة ترسيب معظم الطمى في السدود السودانية.
ويتسبب سد النهضة في أزمة بين إثيوبيا الذي تقيمه على أراضيها ودولتي مصر والسودان، حيث يهدد حصة مصر المائية التاريخية من جانب إثيوبيا، في وقت تدخل فيه مفاوضات سد النهضة بين الدول الثلاث عامها الـ12، بدءا من زيارة الدكتور عصام شرف رئيس وزراء مصر الأسبق إلى أديس أبابا في مايو 2011، وتعرضت خلالها إلى التوقف التام مرات عديدة، ثم تعود بعدها للاستمرار بعد دفع رؤساء دول مصر، السودان، إثيوبيا لها عقب كل اجتماع سواء في هامش اجتماعات الاتحاد الأفريقي أو الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وتوقفت المفاوضات تماما للمرة الأولى في يناير 2014 عندما علقت لرفض إثيوبيا وجود خبراء دوليين فى المفاوضات بناء على طلب مصر، ثم عادت في أغسطس 2014 بعد لقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عقب توليه الحكم برئيس وزراء إثيوبيا السابق هايلي ماريام ديسالين، على هامش القمة الأفريقية في مالابو، غينيا الاستوائية في يوليو 2014، وتم الاتفاق على استئناف المفاوضات.
أما المرة الثانية، كانت في سبتمبر 2015 عند انسحاب المكتب الاستشاري الهولندي “دلتارس” المكلف بتنفيذ دراسات سد النهضة الإثيوبي مع المكتب الفرنسي BRL، لمطالبة إثيوبيا بأن تعطى جميع الصلاحيات وكتابة التقرير النهائي للمكتب الفرنسي فقط دون غيره، على أن يكلف المكتب الهولندي بأعمال من الباطن، وهذا ما لم يقبله وانسحب ورفضت إثيوبيا مواصلة الاجتماعات لاختيار مكتب آخر، بحجة انشغاله بانتخابات داخلية حتى نهاية العام، ولكن مع لقاء الرئيس السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي ديسالين في نيويورك على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2015 تم الاتفاق على مواصلة الاجتماعات.
المرة الثالثة جاءت عندما فشلت المفاوضات الثلاثية فى القاهرة بعد رفض إثيوبيا والسودان الموافقة على التقرير الاستهلالي بشأن سد النهضة من قبل المكتب الفرنسي وأعلن وصول المفاوضات إلى طريق مسدود بعد استنفاذ كل الطرق الفنية، وضرورة تدخل القيادات السياسية، وبالفعل بعد تعليمات من القيادات السياسية بدأ تدخل وزراء الخارجية والمخابرات في نوفمبر 2017، أما المرة الرابعة، فكانت عندما تم الإعلان عن فشل المفاوضات الثلاثية فى أكتوبر 2019 بالخرطوم، وبعد لقاء الرئيس المصري ورئيس الوزراء الإثيوبي في نهاية الشهر بمدينة سوتشي الروسية، تناولا التباحث حول ملف سد النهضة، وبعدها عرضت أمريكا رعاية المفاوضات في نوفمبر 2019، وانتهت بالفشل أيضا بتغيب إثيوبيا عن التوقيع في نهاية فبراير 2020، رغم توقيع مصر بالأحرف الأولى ورفض السودان التوقيع لتغيب إثيوبيا.
وجاءت المرة الخامسة، بعد طلب مصر تحديد جلسة في مجلس الأمن في 29 يونيو 2020، تحايلت إثيوبيا وجنوب أفريقيا لإفشال هذا الاجتماع وطلبوا عقد قمة مصغرة برعاية الاتحاد الإفريقي قبل مجلس الأمن بـ 3 أيام في 26 يونيو، وهي قمة افتراضية بسبب كورونا، وخرجت ببعض التوصيات اعتمد عليها مجلس الأمن وطلب الاستمرار تحت رعاية الاتحاد الأفريقي.
أما المرة السادسة، حدثت عندما عقد اجتماع في وجود وزراء الخارجية والمياه بدول مصر، إثيوبيا، السودان في أبريل 2021 بـ”كينشاسا” في الكونغو الديمقراطية لإنقاذ المفاوضات وعودتها بعد توقف دام حوالى 10 أشهر، إلا أنها فشلت كمثيلاتها، وبناء على طلب مصر عقد مجلس الأمن جلسة ثانية في يوليو 2021 صدر بعدها بيان رئاسي في سبتمبر 2021 لاستئناف المفاوضات وهذا لم يحدث إلى الآن.