بيروت – (رياليست عربي): لم يصبح أمام اللبنانيين، الذين يعيشون في فقر مدقع على الرغم من امتلاكهم ودائع وحسابات بنكية في المصارف المنتشرة في طول لبنان وعرضه، لا تقل عن عشرات الألاف من الدولارات، وتذهب في طبيعتها إلى ملايين الدولارات، سوى اقتحام البنوك بقوة السلاح، للحصول على ولو جزء بسيط من أموالهم حتى يجدون الطعام ويشترون الدواء لهم ولذويهم، في ظل منع مصرف لبنان أي عمليات صرف للمودعين بسبب الأزمة الاقتصادية.
وأعلن يوم الجمعة في لبنان، إغلاق كافة بنوك العاصمة بيروت وأيضاً في طرابلس وصور وصيدا وجبل لبنان، بسبب وقائع اقتحام المصارف، وذلك في ظل تزايد أعداد مقتحمي البنوك من المواطنين الراغبين في الحصول على ودائعهم المحتجزة لمدة ثلاث سنوات بسبب الأزمة المالية وأزمة المصارف التي يعاني منها لبنان.
وقد اقتحم مواطنون لبنانيون ما يزيد عن 16 بنكاً ومصرف خلال ساعات النهار يوم الجمعة، في حين دعا وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بلبنان، بسام مولوي إلى اجتماع طارئ لمجلس الأمن الداخلي المركزي، لبحث الإجراءات الأمنية التي يمكن اتخاذها في ضوء الأحداث المستجدة على المصارف.
بينما دعا اتحاد نقابات موظفي البنوك في لبنان إلى اتخاذ جميع الإجراءات التي تضمن المحافظة على سلامة الموظفين في أسرع وقت، مؤكداً أنه في حالة عدم اتخاذ تلك الإجراءات سيتخذ جميع الخطوات التي يراها مناسبة لحين تأمين حمايتهم وصون كرامتهم، معبراً عن أمله في استجابة المعنيين لهذا المطلب تفادياً للوصول إلى حلول لا يرغب فيها.
وأكد الاتحاد في بيان، أن ما حصل من عمليات اقتحام لفروع المصارف من قبل بعض المودعين وتعريض سلامة الموظفين في الفروع للخطر والمس بكرامتهم والتهديد والوعيد بالتكرار في الأيام المقبلة لم يعد مقبولاً، وأن الوضع يقتضي فورا اتخاذ الخطوات والإجراءات التي أصبحت أكثر من ضرورية من قبل السلطات الأمنية بالتنسيق والتعاون مع المصارف، للحد من هذا المسار الخطير، على حد وصف البيان.
وفي وقت سابق، قال مسؤول رفيع المستوى بمصرف لبنان، في تصريحات خاصة، إنه على الدولة وأجهزتها أخذ وقائع اقتحام مودعين للبنوك للحصول على ودائعهم وأموالهم قيد الاعتبار، مشيرا إلى أن الخوف الأكبر من تكرار وقائع متفرقة وبشكل قد يأتي بضحايا وقتلى من جهه، أو أن تستغل عصابات تلك الواقعة وتقوم بالإقدام عليها بطرق أخرى لسرقة أموال البنوك في وضح النهار، مشيراً إلى أن مستوى الفقر أنعكس على الشعب اللبناني، والدليل أن أصحاب ودائع بملايين الدولارات لا يستطيعون الحصول على 100 دولار من أموالهم في عدة أشهر، وإذا حصلوا يكون بالليرة اللبنانية وبالقيمة القديمة غير المعترف بها في سوق الصرف.
ويطالب المودعين بالحصول على أموالهم و أرصدتهم المودعة بالبنوك بالعملة الدولارية والتي لا يستطيع الحصول عليها إلا بسعر الصرف اللبناني الرسمي غير المعمول به، حيث يحصل على 1500 ليرة مقابل كل دولار في حين أن القيمة الفعلية المعمول بها في سوق المال أن قيمة الدولار بلغت 35 ألف ليرة لبنانية في ظل انهيار العملة الوطنية.
ودفع الوضع الاقتصادي والمالي المنهار في لبنان عبر أفعال من يسمون بـ”ساسة النهب” الذين هربوا أموال مودعين تقدر بعشرات المليارات من الدولارات إلى بنوك في أوروبا وأمريكا، خلال العقود الأخيرة، إلى تحويل المواطن اللبناني صاحب الحسابات البنكية الدولارية إلى ما يشبه بـ”زعيم عصابة” يقوم بالسطو المسلح على المصارف ويحتجز رهائن وذلك ليس لسرقة أموال البنك ولكن للحصول على أمواله المودعة المحتجزة مثله مثل بقية المواطنين.
ووضعت البنوك اللبنانية قيودا على سحب المودعين للعملات الأجنبية خلال الانهيار المالي الذي تشهده البلاد منذ 3 سنوات، الأمر الذي جعل أكثر من ثلاثة أرباع السكان يعيشون في فقر ،لتمنع المصارف عمليات السحب النقدي الشهرية بالدولار الأمريكي وتسمح بسحب مبالغ محدودة بالليرة اللبنانية بمعدل أقل بكثير من سعر السوق الموازية، مما أدى إلى خفض كبير في القيمة الأصلية للودائع.
ويخسر اللبنانيين مدخراتهم المالية بعملة بلدهم داخل وطنهم، ليصل الأمر إلى تحرك مواطنين كانوا يدخرون أموالهم بالعملة اللبنانية إلى مكاتب الصرافة، حاملين إياهم أما في حقائب كبيرة أو “كراتين” أو “أشولة” بمبالغ تقدر بمليارات الليرات من العملة الوطنية، ليستبدلونها في النهاية بمبالغ تتراوح ما بين ألف إلى 5 آلاف دولار أمريكي.
وكانت تساوي هذه الأموال قبل عامين، وبالتحديد مع احتجاجات تشرين الأول في 2019، ثم انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020، ما بين 100 إلى 200 ألف دولار، عندما كانت تثبت سعر الدولار 1500 ليرة، لكنه تجاوز الآن أعتاب الـ35 ألف ليرة.
وفقد مواطنين لبنانيين الأمل، ولا يجدون أي بصيص يتعلق بضبط حتى لو على استحياء لقيمة الليرة اللبنانية أمام الدولار، والتي وصلت لدى تعاملات السوق الموازية “السوداء”، وهي الأسواق المالية الوحيدة المتواجدة في البلاد ، في ظل عدم وجود سوق رسمي إلى أكثر من 30 ألف ليرة.
ويرزح 80 % من اللبنانيين الآن تحت خط الفقر، بحسب الأمم المتحدة، ما يعد إفقارا متسارعا يعود سببه بشكل خاص إلى التضخم الذي يفوق 100 % ،ويضاف هذا الانخفاض الجديد إلى المشاكل العديدة التي تواجهها الحكومة برئاسة نجيب ميقاتي، والتي لم تواجه أزمات في انعقادها بسبب الخلافات السياسية بين أعضائها.