فيينا – (رياليست عربي): كشف قرار «أوبك +» بتخفيض إنتاج النفط مليوني برميل يومياً، الخلافات المكتومة بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية، وجاء بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير، وأخرجت ما في الصدور إلى سطح السياسة والبيانات المتبادلة.
التوتر في العلاقات بين البلدين لم يكن وليد اللحظة أو نتيجة تخفيض إنتاج النفط، فالأزمة بين الرياض وواشنطن، بدأت منذ الحملة الانتخابية للرئيس الأميركي جون بايدن، والتي اعتاد خلالها مهاجمة السعودية واستغلال واقعة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجى، داخل قنصلية بلاده في تركيا، بهدف ممارسة ضغوطات سياسية على ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وإجباره كملك مستقبلي على الخضوع لتعليمات البيت الأبيض وإدخاله بيت الطاعة الأمريكي مبكراً، قبل توليه مقاليد الحكم رسمياً.
تلك الفترة العصيبة في العلاقات والتي دخلت أجهزة الاستخبارات في قلبها بهدف تمرير المخطط الأميركي ضد السعودية، رغم تخطيها إلا أنها تركت في الفم السعودي ماء كثير، وأدرك ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، خطورة منح الأمان للإدارات الأميركية سواء جمهورية كانت أو ديمقراطية.
الحملات الإعلامية الأميركية لتشويه سيرة ملك البلاد المستقبلي، لم تفلح في خلخلة عرشه خصوصا أنها كزعيم شاب تبنى سياسة انفتاح غير مسبوقة في تاريخ المملكة جعلت منه ملك بموافقة الشعب في استفتاء على مشروعه المستقبلي والرؤية التي وضعها (2030) لجعل بلاده في مصاف الدول المتقدمة من خلال استغلال ثرواتها الطبيعية والسياحية ومكانتها في العالم الإسلامي بوجود الحرمين الشريفين على أراضيها.
قمة جدة التي حضرها الرئيس الأميركي، بهدف الضغط على الرياض وحلفاء المملكة من دول التعاون الخليجي لرفع إنتاج النفط وتعويض الأسواق الأوروبية عقب وقف روسيا إمدادات الغاز، باءت بفشل ذريع وعاد بايدن إلى واشنطن مترقبا نتائج زيارته في قرار «أوبك بلس» المنتظر.
قادة الخليج الجدد بما يتمتعون به من خبرات تعليمية حديثة، عززت داخلهم الرغبة في إعادة تموضع بلادهم على خريطة العالم كقوى فاعلة ومؤثرة وسعت بقوة للخروج من العباءة الأميركية ونوعت علاقاتها الخارجية، ولا يستطيع أحد إنكار توجههم بشكل لافت تجاه الشرق وتعزيز تعاونهم مع موسكو وبكين.
البلطجة السياسية التي اعتادت واشنطن على ممارستها بدول الإقليم، وضحت جليا عقب قرار تخفيض النفط ونصب بايدن نفسه مالك لثروات العرب يتحكم فيه من أقصى الغرب، لتنهال بعدها الاتهامات على الرياض والأمير محمد بن سلمان، في حرب ضروس تخطت الأعراف السياسية والتحالفات القائمة على الاحترام المتبادل بين دول العالم.
تلك الحملة دفعت السعودية لإصدار بيان رسمي اتسمت مفرداته بالقوة الغير مسبوقة، ملعنة رفض المملكة لأي إملاءات على قراراته الخاصة.
فى تناغم واضح لإرسال تهديدات مبطنة، تحدث بايدن عن عقوبات محتملة على الرياض وسط ترجيحات بفتح ملفات قديمة خصوصا ملف خاشقجي وبرج التجارة العالمي لابتزاز المملكة وفرض وصايته على النفط بقانون يزعم عدم حق الدول في احتكاره، وتبعه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، بقوله، إن الولايات المتحدة تراجع حاليا تداعيات قرار أوبك+ بخفض هدف إنتاجها النفطي رغم اعتراضات واشنطن على علاقاتها مع السعودية.
وأضاف للصحفيين “لم نشعر بخيبة أمل عميقة من ذلك فحسب، وإنما نعتقد بأنه قصر نظر. وكما أوضح الرئيس، يجب أن يكون لهذا القرار عواقب وهذا شيء نراجعه بينما نتحدث”.
وكان البيت الأبيض قال، إنه يرى أن السعودية هي التي دفعت باقي دول أوبك+ لاتخاذ قرار بخفض الإنتاج، وهو تصريح جاء ضمن حرب كلامية محتدمة بين الدولتين.
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي للصحفيين إن “أكثر من دولة عضو” في منظمة أوبك عارضت مسعى السعودية لخفض الإنتاج وإن تلك الدول شعرت بأنها مدفوعة للتصويت، وأنه لن يكشف عن هوية تلك الدول الأعضاء ليدع لها المجال للتعبير عن مواقفها بنفسها.
كما قال كيربي في بيان سابق، إن الولايات المتحدة قدمت للسعودية تحليلا يظهر أنه لا يوجد أساس سوقي لخفض إنتاج النفط قبل أن تقرر أوبك+ ذلك، وذلك في رد على قول الرياض إن الخفض “اقتصادي بحت”، علاوة على الاتهام بالانحياز لروسيا.
قادم العلاقات بين البلدين يحمل مؤشرات كثيرة على خطوات أميركية تهدف لتقويض دور السعودية كدولة فاعلة في الإقليم والعالم، لكن المؤكد أن أوراق اللعبة التي يمتلكها الأمير القوي سوف تقف حائط صد أمام الرغبة الأميركية تعيق التعامل مع مملكته بمنظور الماضي.