دبي – (رياليست عربي). بعد أسابيع فقط من اختراقه حاجز 4000 دولار للأونصة، توقّف الارتفاع الصاروخي للذهب فجأة، إذ تراجعت الأسعار بأكثر من 10٪ من ذروتها اللحظية التي قاربت 4400 دولار، مما أثار جدلاً واسعًا بين المتعاملين حول ما إذا كان هذا تصحيحًا مؤقتًا أم بداية لانعكاس الاتجاه الصاعد.
ويرى محللون، من بينهم لويس-فنسنت غاف من شركة Gavekal، أن تحسن العلاقات الأميركية–الصينية قد يكون وراء التراجع الحالي، بعدما حذر سابقًا من إمكانية حدوث تصحيح قوي. ويأتي هذا الانخفاض بعد أشهر من المكاسب المتسارعة مدفوعة بالتوترات الجيوسياسية، وعمليات الشراء المكثفة من البنوك المركزية، ومخاوف الأسواق من هشاشة العملات الورقية.
لكن، كما في كل دورة ذهبية، فإن السؤال الأعمق لا يتعلق بالسعر بل بالثقة.
من الإيمان بالنقود الورقية إلى اللجوء إلى الذهب
بلغ الذهب أدنى مستوياته الحديثة في أغسطس 1999، العام الذي شهد إطلاق عملة اليورو وقرار وزير الخزانة البريطاني آنذاك غوردون براون بيع نصف احتياطات بلاده من المعدن النفيس — وهي لحظة تجسدت فيها ذروة الثقة بالعولمة وفكرة «العالم المسطّح» القائمة على نظام نقدي مشترك.
لكن بعد أكثر من عقدين، فشلت أوروبا في جعل اليورو منافسًا حقيقيًا للدولار بسبب الانقسامات الداخلية، بينما تآكلت الثقة العالمية تدريجيًا — بدءًا من أحداث 11 سبتمبر، مرورًا بالأزمات المالية والجوائح، وصولًا إلى الحروب الراهنة.
عائد انعدام الثقة الجديد
عندما استبعدت الولايات المتحدة روسيا من النظام المالي القائم على الدولار عام 2022 عقب غزو أوكرانيا، بعثت برسالة واضحة: الدولار لم يعد عملة عالمية محايدة. وردت العديد من البنوك المركزية بتكديس الذهب كـ«مخزن غير سياسي للقيمة» في عالم تتبدل فيه التحالفات وتتزايد العقوبات.
وتظهر الطلبيات الخاصة نفس الاتجاه، إذ جاء أكبر المشترين من اليابان والصين، حيث يواجه المستثمرون عملات ضعيفة وقيودًا على رأس المال. فبالنسبة للمدخرين اليابانيين، يشكل الذهب تحوطًا ضد تراجع الين، بينما يراه الصينيون ملاذًا آمنًا من حالة عدم اليقين المالي الداخلي.
لكن هذا الاعتماد يحمل مخاطر؛ إذ قد يؤدي تحسن الين أو إعادة تقييم اليوان — في حال تشديد السياسة النقدية اليابانية أو توصل بكين إلى اتفاق مع واشنطن — إلى انخفاض الطلب الآسيوي على الذهب.
عودة الطلب الغربي المحتملة
على الجانب الآخر، يرى محللون أن استئناف البنوك المركزية الغربية خفض أسعار الفائدة بشكل حاد لتخفيف أعباء الديون قد يعيد الطلب من المستثمرين الأميركيين والأوروبيين الباحثين عن حماية من التضخم.
في النهاية، تعكس قصة الذهب دورة أكبر — دورة الثقة. فعندما تتراجع الثقة في الحكومات والأنظمة النقدية، يزدهر الذهب. وعندما يبدو النظام العالمي مستقرًا، يتراجع.
أما نهاية هذه الموجة، فقد تأتي فقط مع عودة الاستقرار الجيوسياسي أو تسوية جديدة بين واشنطن وبكين — أو ببساطة مع شعور جماعي بأن المستقبل لم يعد فوضويًا كما يبدو اليوم.
حتى ذلك الحين، يبقى الذهب كما كان دائمًا: مرآة تعكس قلق العالم وهشاشة ثقته في ذاته.






