موسكو – (رياليست عربي): لا يزال موضوع مدى التغيير الذي فرضته عقوبات الغرب على روسيا قضية متنازع عليها بشدة في كل من روسيا والغرب.
إن العقوبات المفروضة على روسيا منذ بدء العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا كانت عميقة وواسعة النطاق، وهي امتداد للعقوبات التي تم فرضها بعد أحداث عام 2014.
كان للعقوبات الأخيرة تأثير كبير، باعتراف السلطات الروسية، بحلول نهاية عام 2022، تحول النمو، الذي كان 3.5٪ في الشهرين السابقين للعقوبات، إلى ركود بنسبة -2.1٪، هذا مهم، لكنه لا يزال أقل بكثير مما كان متوقعاً في البداية، حيث تم الإعلان عن الأرقام في الأصل من -8٪ إلى -10٪، وهذا يعني أن الاقتصاد الروسي لم ينهار، سواء مالياً أو اقتصادياً.
رغم ذلك، عاد الاقتصاد الروسي إلى النمو القوي إلى حد ما في نهاية الربع الثاني من عام 2023، في حين شهدت القاعدة الصناعية الروسية نتائج ممتازة منذ نهاية الربع الأول، وعادت أحجام ومستويات الإنتاج إلى مستويات ما قبل العقوبات، من ناحية أخرى، بالنسبة للاقتصاد الجزئي يظهر أن تأثير العقوبات لم يتوقف بعد، حتى لو كان في طور الاستيعاب، لقد استعادت الصناعة الروسية فعاليتها، ولكن ليس كفاءتها بعد، أي عاد الاقتصاد والصناعة إلى أحجام الإنتاج في بداية عام 2022، لكن إنتاجية العمل تراجعت.
بشكل عام، تسارع النمو في الصناعة والاقتصاد، في أبريل وبقوة في مايو من هذا العام، كما ارتفع الناتج المحلي الإجمالي على أساس سنوي (بمعنى الإنتاج المادي) بنسبة 8.7٪، وبشكل عام، بنسبة 5.4٪ بعد 3.4٪ في أبريل الماضي، أيضاً، ارتفع حجم تجارة التجزئة في روسيا بنسبة 9.2٪ بينما انخفضت البطالة بين السكان العاملين إلى 3.2٪، وزادت دخول الرواتب الحقيقية بنسبة 10٪، وارتفع الإنتاج الصناعي بنسبة 7.1٪ (بما في ذلك 12.8٪ للصناعة التحويلية، وزاد إنتاج المواد الخام بنسبة 1.2٪، والزراعة بنسبة 2.9٪، والبناء بنسبة 13.5٪).
هذه النتائج رغم العقوبات تبين أنه يمكن اعتبار الإجراءات المتخذة ضد روسيا بمثابة تدابير للحرب الاقتصادية، إذ يبدو أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من بين دول أخرى (لا سيما المملكة المتحدة)، قد استهانوا بقدرات المقاومة للاقتصاد الروسي، وقدراته التحويلية، وقدرات الحكومة الروسية على رد الفعل.
بشكل عام، يبدو أن رد فعل مختلف فروع الصناعة خلال عام 2022 وبداية عام 2023 قد نتج عن العوامل التالية:
- أثر العقوبات على توريد المعدات والتخفيف التدريجي لهذا الأثر نتيجة إنشاء مصادر بديلة لتوريد هذه المعدات (تصنيع السيارات، إنتاج الأدوية والمعدات الطبية، تصنيع الأثاث).
- تأثير العقوبات التي أدت إلى إغلاق أسواق التصدير المعتادة وفتح أسواق جديدة، تقع بشكل عام (ولكن ليس حصرياً) في آسيا (المواد الكيميائية والمنتجات المعدنية).
- تأثير سياسة إحلال الواردات والدعم الحكومي لهذه السياسة (صناعة الأغذية، الإلكترونيات، المعدات الكهربائية).
- تطور الطلب المنزلي (انخفض في الربعين الثاني والثالث من عام 2022، وانتعش في الربع الرابع من عام 2022 وفي الربع الأول من عام 2023).
- أهمية العقود العامة وخاصة العقود المرتبطة بالأوامر العسكرية.
- أخيراً، لعب تأثير الاستثمارات السابقة دوراً أيضاً، حيث تظهر بعض الفروع ديناميكية ملحوظة من حيث الاستثمارات.
نستخلص مما سبق، أن الاقتصاد الروسي قد تكيف بشكل ملحوظ مع الوضع الجديد الذي أوجدته تدابير “الحرب الاقتصادية” التي اتخذتها الدول الغربية، لكن هذا التكيف لم يكتمل بعد، ويتطلب إعادة هيكلة كبرى للصناعة والزراعة، حيث تظل الحاجة إلى التحديث مرتفعة إلى أن تتعافى إنتاجية العمل الظاهرة وتتجاوز مستواها في نهاية عام 2021، وبالتالي سيظل الاقتصاد الروسي معتمداً لمدة 18 شهراً على المساعدات العامة والدعم المتنوع، كما لا يبدو أن ديناميكيات القطاع الخاص قادرة على ضمان مستوى مرضٍ من النشاط قبل عام 2025، وسيكون الحفاظ على السياسة العامة لدعم الصناعة أو عدم استمرارها عاملاً محدداً للديناميات الاقتصادية لروسيا لعامي 2023 و2024.