باريس – (رياليست عربي). تشهد الصناعة الدفاعية الفرنسية انتعاشاً تاريخياً بفضل التزامات الإنفاق الدفاعي المتزايدة داخل حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ما يمنح دفعة اقتصادية نادرة لاقتصاد فرنسي يعاني من الركود، مع دخول شركات متوسطة الحجم إلى دائرة المكاسب التي كانت سابقاً حكراً على عمالقة القطاع مثل داسو وتاليس وسافران.
من أبرز المستفيدين شركة إكسوسنس (Exosens)، المتخصصة في تصنيع أنابيب تضخيم الضوء المستخدمة في مناظير الرؤية الليلية. وقد بلغت قيمتها السوقية نحو 2.2 مليار يورو بعد ارتفاع حاد في أسهمها هذا العام، لتجسد كيف تستفيد الشركات الصغيرة والمتوسطة من زيادة ميزانيات الدفاع الأوروبية.
وقال المدير التنفيذي جيروم سيريزير لصحيفة فايننشال تايمز خلال جولة في مصنع الشركة بجنوب غرب فرنسا: «نحن عند نقطة تحول جيوسياسية كبرى — وحتى انتهاء الحرب في أوكرانيا لن يغير هذا الواقع جذرياً».
وأشارت بنك فرنسا إلى أن قطاع الدفاع أصبح من أبرز محركات الاستثمار المؤسسي في البلاد، في وقت تضغط فيه إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الحلفاء لزيادة إنفاقهم العسكري.
منذ إدراج أسهمها في البورصة في يونيو 2024، قبيل الانتخابات التشريعية المفاجئة التي دعا إليها الرئيس إيمانويل ماكرون، تفوقت «إكسوسنس» على السوق الفرنسية؛ إذ تضاعف سعر سهمها تقريباً بينما ظل مؤشر SBF 120 ثابتاً. وارتفعت إيرادات الشركة في النصف الأول من العام بنسبة 20% إلى 225 مليون يورو، مع زيادة الأرباح التشغيلية بنسبة 21% إلى 27 مليون يورو. وتشمل قائمة عملائها الجيش الألماني وشركة Theon اليونانية للإلكترونيات البصرية.
كما حققت شركات فرنسية أخرى قفزات مماثلة. فقد ارتفعت أسهم Exail Technologies، المصنعة للطائرات المسيّرة وأنظمة الملاحة، بأكثر من 400% هذا العام. فيما توسعت شركات خاصة مثل Delair المنتجة لطائرات الاستطلاع، وMC2-Technologies المطورة لأنظمة التردد العالي لمكافحة المسيّرات، بوتيرة متسارعة.
وقال ألكسندر سيبون، نائب مدير «MC2»، إن «الإعلانات كثيرة، ونحن ننتظر تحولها إلى طلبات فعلية»، متوقعاً ارتفاع الإيرادات بنسبة 30% هذا العام لتبلغ نحو 20 مليون يورو مع تزايد استثمارات الناتو في الحرب الإلكترونية.
ووعد ماكرون بمضاعفة ميزانية الدفاع الفرنسية لتصل إلى 100 مليار يورو سنوياً، رغم القيود المالية الصارمة، على أن يُوجّه معظم الإنفاق إلى الموردين المحليين.
في «إكسوسنس»، عرض المهندسون جيلاً جديداً من أنابيب الرؤية الليلية ذات جودة صورة أعلى بنسبة 30%، ويبلغ سعر الوحدة الواحدة نحو 4000 يورو، وقد تلقت الشركة بالفعل أكثر من 5000 طلب، بينها طلبيات من قوات خاصة أوروبية.
وقال فريديريك غيليم، مدير التسويق بالشركة: «إذا كنت ترى على بعد 20 متراً أكثر من خصمك، فالسعر ليس المشكلة». وأوضح أن سلسلة التوريد الأوروبية الخالصة تمنح الشركة ميزة استراتيجية على منافسيها الأميركيين Elbit America وL3 الذين تقيّد صادراتهم قواعد الترخيص الأميركية.
ووصف المحلل أوريليان سيفينيون من بنك ODDO BHF اعتماد «إكسوسنس» على مصادر غير أميركية بأنه «ميزة تنافسية رئيسية»، مشيراً إلى أن الشركة توسّع حالياً إنتاجها في مدينة بريف وتخطط لافتتاح مكتب في الولايات المتحدة لتلبية الطلب المتزايد.
وتغيرت أيضاً نظرة المستثمرين إلى قطاع الدفاع؛ إذ أصدر مصرف BPCE الفرنسي هذا الشهر أول سند أوروبي مخصص حصرياً لشركات الدفاع بقيمة 750 مليون يورو. وقال مديره المالي فيليب جان: «لم يعد هناك أي تردد — فالأمر لا يتعلق فقط بحرب أوكرانيا، بل بانسحاب الولايات المتحدة التدريجي وإدراك أوروبا ضرورة التكيّف».
ويؤكد سيريزير أن هذا التحول الاستراتيجي في القارة لا يزال في بدايته: «لقد حدثت صحوة عميقة في أوروبا، وستقود إلى نشاط دفاعي أعلى بكثير لسنوات قادمة».






