نيودلهي – (رياليست عربي): شهدت الأسابيع الأخيرة من العام توترات حدودية خطيرة، أعلنت الهند أن قواتها اشتبكت مع القوات الصينية في منطقة متنازع عليها على طول الحدود بين البلدين، وهو أول اشتباك من نوعه منذ أكثر من عام.
الصراع بين الصين والهند يمثل قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة، حيث الدولتين تمثلان ما يقرب من نصف سكان العالم مع انضمام الدول المتحالفة إلي أي من الدولتين، كما حدث في الحرب العالمية الأولي والثانية علاوة علي قواتهما العسكرية العادية والنووية.
وعلي الرغم من ذلك، فإن المخاوف المتبادلة بينهما تجعلهما يعملان علي احتواء كل مواطن التوتر والنزاع، خصوصاً أن البلدين أصبحا الأقرب إلي تحقيق توازن متكافئ، فلم تعد كفة الصين مرجحة تماماً علي الرغم من التفوق الملحوظ مثلما كان في الستينات من القرن العشرين حيث عملت الهند علي تطوير البنية التحتية علي حدودها كما قامت بعقد تحالفات إقليمية ودولية.
لمحة عن الصراع
خلاف الهندي الصيني على الحدود ليس جديدا، بل بدأ منذ مطلع القرن الماضي، فالهند تطالب بمنطقة أكساي تشين، الواقعة ضمن منطقة شينجيانغ الصينية، بينما تطالب الصين بولاية أرونتشال براديش الهندية، باعتبارها جزءا من إقليم التبت الذي يخضع للسيطرة الصينية حاليا.
وقد رَسَّمَتْ تلك الحدود بريطانيا مطلع القرن الماضي بين الهند، التي كانت جزءا من الإمبراطورية البريطانية والتبت، التي لم تكن حينها تحت السيطرة الصينية، ووقعت الحرب الأولى عام 1962 وقد مُنيت الهند فيها بهزيمة أليمة، أما الحرب الثانية فوقعت عام 1975، لكنها كانت محدودة، رغم الخسائر البشرية الكبيرة من الطرفين.
واتفق البلدان بعد حرب 1975 على عدم اللجوء إلى السلاح في قضية الحدود، وتجريد حرس الحدود من أي سلاح قاتل، وفعلا لم يحصل أي احتكاك عسكري بينهما حتى عام 2020، الذي شهد مصرع 24 جنديا من الطرفين.
يتمحور الخلاف الرئيسي بين الصين والهند حول عدم ترسيم حدودهما الممتدة ويعتبر مصير هضبة أروناتشال براديش أخطر نقاط المواجهة، فقد ضمت إلي الأراضي الهندية خلال فترة الاستعمار البريطاني للهند وبعد حصولهما علي الاستقلال أواخر الأربعينات من القرن الماضي طالبت كل منهما بالسيادة عليها .
التوتر الحالي
يمكن القول إن تزايد التحركات الصينية في المنطقة خصوصاً عمليات إنشاء الطرق المسندة بالمعدات والقوة العسكرية، أثار قلق وحفيظة الهند، ودفعها إلي التقارب العسكري مع الولايات المتحدة الأمريكية، وإن لم يرق إلي التحالف، حيث أجرت الهند في نوفمبر الماضي مناورات عسكرية مشتركة مع الولايات المتحدة الأمريكية، استمرت أسبوعين في ولاية أوتارخوند المحازية للصين.
كما قلصت التعاملات التجارية مع الصين، بالإضافة إلى سعيها لعقد صفقات تجارية مع أستراليا والإتحاد الأوروبي، كذلك الصفقات العسكرية مع فرنسا مثل صفقة طائرات الرفال الأخيرة، كما أن اللقاءات بين زعيمي البلدين أصبحت شحيحة منذ توتر الحدود عام 2020، حيث لم يلتقيا خلال الثلاث سنوات الماضية سوي في لقاء عابر علي هامش مؤتمر بالي لمجموعة العشرين.
وتسعي الولايات المتحدة الأمريكية في إطار التنافس مع الصين إلي رفع مستوي العلاقات مع الهند إلى مستوي التحالف وتزويدها بأسلحة متطورة، كي تواجه الصين، حيث أن معظم السلاح الهندي حاليا روسي وقد أضعفت العقوبات المفروضة علي روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا مبيعات السلاح الروسي.
وعلي الرغم من عدم إعتراف نيودلهي بالعقوبات الفردية- أي التي تفرض خارج أطار الأمم المتحدة، إلا أن قدرة الهند على المناورة ستصبح محدودة أمام قدرة الولايات المتحدة علي تطبيق العقوبات، ومعاقبة البلدان التي تبيع أو تشتري السلاح الروسي بموجب قاتون كاتسا الأمريكي الذي يعاقب أي دولة تتعامل في السلاح (بيعً/شراء) مع روسيا وإيران وكوريا الشمالية وفنزويلا. بالتالي مخالفة الهند لقانون كاتسا، قد يصيب الدفاعات الهندية لأنها تحرمها من الأسواق العالمية وخاصة صناعات حاملات الطائرات الهندية “أي أن أس فيكرانت”، حيث تعاقدت الهند مع شركة “نفسكوي” الروسية المشمولة بالعقوبات الأمريكية.
ويعد الغموض هو سيد الموقف بين الصين والهند، حيث من الممكن أن تتفاقم العلاقة بينهما في ظل التوتر الحالي، وبالتالي يرجح ندرة فرص تحسن العلاقات بين الصين والهند، بسبب التأزم واشتداد الصراع الصيني الأمريكي على زعامة العالم، فأمريكا تريد استمرار المشكلة لاستغلالها في كبح جماح التقدم الصيني، كذلك الدولتين (الصين والهند) تمران بمرحلة من التقدم الاقتصادي والعسكري، مما يجعلهما ترغبان في تأجيل حسم النزاع بينهم لحين تغير موازين القوي لصالح إحداهما لأنهما يرفضان أية تسوية تتضمن تنازلات.
خاص وكالة رياليست.