موسكو – (رياليست عربي): كثف نظام كييف لهجماته العسكرية بعد ضرب القوات الأوكرانية مناطق سكنية في جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك الشعبيتين باستخدام صواريخ غربية الصنع وذلك تزامناً مع وصول العديد من المرتزقة الأجانب إلى داخل أراضي الجمهورتين استعداداً للمعارك البرية التي ستجري قرب مدينة (خاركوف) الإستراتيجية ومحيطها وهو الأمر الذي دفع القوات الأوكرانية لإرسال أعداد هائلة من المسيرات الأوكرانية لضرب العديد من المدن الروسية الحدودية الأمر الذي يؤكد قرب حدوث مواجهة عسكرية حامية الوطيس بين الجانبين الروسي والأوكراني للسيطرة على (خاركوف) والتي تعتبر العمق الإستراتيجي للقوات الروسية تماماً كما تعتبر بأنها المسمار الأخير في نعش الدعم الأمريكي لكييف
تستمر العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا حيث يتقدم الجيش الروسي على مختلف المحاور، ويحبط محاولات قوات نظام كييف لشنِّ هجماتٍ مضادة، ملحقاً بالقوات الأوكرانية خسائر فادحة بالعتاد والأرواح، في الوقت الذي تواصل فيه كييف أيضاً ضرب مواقع القوات الروسية باستخدام صواريخ غربية في عملياتٍ لتبادل الضربات بين الجانبين استعداداً لمعركة (خاركوف) الإستراتيجية.
- بدأت القوات الأوكرانية تكثف هجماتها ضدَّ المدن الروسية باستخدام المسيرات (طائرات بدون طيار) وهو الأمر الذي بدأ يزداد شيئاً فشيئاً منذ بداية شهر مايو الماضي، واستمر في بداية شهر يونيو الجاري وصولاً إلى اليومين الأخيرين، حيث أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن الدفاعات الجوية أسقطت خلال ليلة السبت 8 إلى الأحد 9 يونيو أكثر من 25 مسيرة أوكرانية فوق مقاطعات (بيلغورود) و (روستوف) و(تولا) و (بريانسك) و (أستراخان) وإقليم (كراسنودار) وجمهورية شبه جزيرة القرم.
- وأتت هذه الهجمات الأوكرانية بالمسيرات ضدَّ المدن الروسية بعد أن شنت قوات كييف صباح الجمعة هجمات صاروخية على أهداف مدنية في جمهورية لوهانسك الشعبية، باستخدام خمسة صواريخ من طراز (أتاكمس) أمريكية الصنع، حيث تمَّ إسقاط أربعة منها، لكنه ونتيجة للضربة الصاروخية فقد إنهار مدخل مبنى سكني مما أسفر عن مقتل 4 أشخاص وإصابة 43 آخرين، من بينهم أربعة أطفال.
- وقال حاكم جمهورية لوهانسك (ليونيد باسيتشنيك)، إن أكثر من 30 مبنى متعدد الطوابق في الجزء الشرقي من لوهانسك، ومدرستين وثلاث رياض للأطفال وكلية محلية تضررت نتيجة الهجوم الأوكراني، كما تمَّ تدمير منزلين بالكامل، وهو ما اعتبره المسؤولون الروس بأنه هجوم إرهابي وصف بــــــــــ(الهمجي) وجريمة حرب من قبل أوكرانيا والإدارة الأمريكية، التي زودت نظام كييف بهذا النوع من الصواريخ.
- وبالتزامن مع هذه التطورات العسكرية التي شهدتها جمهوريتي لوهانسك و دونيتسك الشعبيتين، فقد أعلن حاكم جمهورية دونيتسك الشعبية (دينيس بوشيلين) عن وجود أعداد كبيرة من المرتزقة بدأت تصل للقتال ضدَّ القوات الروسية المرابطة في كلا الجمهوريتين، وأن المعلومات الأمنية التي وصلت إلى أجهزة المخابرات العسكرية الروسية، تؤكد أن المرتزقة الغربيون يصلون بشكل أكبر قادمين من دول مثل جورجيا وكندا وبولندا والولايات المتحدة الأمريكية، وهم يشاركون بشكلٍ نشط في الأعمال القتالية إلى جانب قوات نظام كييف.
- إلى ذلك نقلت وسائل الإعلام الروسية ما ذكرته قناة سكاي نيوز أن طائرة مقاتلة أوكرانية استخدمت أسلحة لأول مرة ضد أهداف داخل الأراضي الروسية، في منطقة (بيلغورود) بدون تحديد المسافة التي تمَّ الإطلاق منها، وأشارت القناة البريطانية نقلاً عن مصدر عسكري أوكراني، إلى أن المقاتلة استهدفت مناطق داخل الأراضي الروسية، يتجاوز بعدها نطاق المناطق الجديدة التي ضمتها موسكو.
- وأتت هذه الضربات الجوية الأوكرانية لتؤكد ما صرح به ممثل وزارة الخارجية الأمريكية بأن الرئيس (جون بايدن) قد سمح لأوكرانيا باستخدام الأسلحة الأمريكية للقتال ضد البطاريات الواقعة في أراضي روسيا، والتي تهدد القوات الأوكرانية المتمركزة خلف منطقة (خاركوف)، رغم الحظر المستمر على استخدام صواريخ (ATACMS) التكتيكية التشغيلية، وكذلك الحال على غيرها من الأسلحة النارية الأمريكية البعيدة المدى. ولتؤكد كذلك ما صرح به الممثل الرسمي لمجلس الوزراء الألماني، (فولفغانغ بوشنر) الذي أعلن عن قرار برلين السياسي، والذي يسمح لكييف باستخدام الأسلحة الألمانية لضرب مواقع روسية قريبة من منطقة (خاركوف) أيضاً، ليأتي القراران الأمريكي والألماني داعمين للقرار الفرنسي الذي أكدته باريس، بأن فرنسا قد منحت أوكرانيا الإذن باستخدام صواريخها الطويلة المدى من طراز (ستورم شادو) لضرب المناطق الروسية وكذلك لضرب القوات الروسية، وبالذات تلك المتمركزة على خط الهجوم الأول شرق المنطقة العسكرية المحيطة بمدينة (خاركوف).
آراء المراقبين و المحللين و الخبراء في مراكز الدراسات السياسية و الإستراتيجية الروسية و العالمية:
- يرى العديد من المراقبين والمحللين والخبراء في مجال العلاقات الدولية من المختصين بملف العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، مثل الخبير الروسي (غيفورغ ميرزايان)، أن الوضع العسكري والأمني بات يزداد تعقيداً بين روسيا والدول الغربية التي اتخذت قرار اللاعودة بعد سماحها لأوكرانيا باستعمال مختلف أنواع الأسلحة الغربية لضرب المدن الروسية، وهو ما كان محرماً لوقتٍ قريب.
- وأضاف الخبير (غيفورغ ميرزايان) في مقالٍ هام للغاية نشرته له صحيفة (فزغلياد) الروسية أنه من الخطأ احتفال ممثلو نظام كييف ومن يوصفون بـــأنهم (الساسة الصقور الغربيون) المعادون لموسكو بعد قرار الولايات المتحدة الأمريكية الأخير، وكذلك بعد قرار بعض دول الإتحاد الأوروبي التي سمحت للقوات المسلحة الأوكرانية باستخدام الأسلحة الغربية بعيدة المدى ضد روسيا، علماً بأن هذه الدول تعلم جيداً بأن نظام كييف سيستعمل تلك الأسلحة لضرب عمق الأراضي الروسية، وأنه لن يفوت الفرصة، ولذلك فإن نظام كييف سيضرب في منطقة خط المواجهة، وسيضرب كذلك على بعد مئات الكيلومترات من خط المواجهة، أي داخل الأراضي الروسية، وهو ما سيعرض مدن وسط وجنوب روسيا للضربات الأوكرانية، بما في ذلك العاصمة موسكو.
- وعلى الرغم من أن ألمانيا وفرنسا وبريطانيا من قبلهما، قد اتخذوا قرارهم بشأن مسألة السماح لقوات نظام كييف باستخدام الأسلحة الغربية لضرب الأراضي الروسية، إلا أن الوضع ما زال مختلفاً للغاية لدى الأمريكيين، وذلك لأن الأميركيين فرضوا قيوداً كثيرة على هذا القرار، لأنهم لا يريدون التصعيد أكثر ضدَّ الجانب الروسي، على الرغم من أنهم يريدون إطالة أمد هذه الحرب وهو الأمر الذي بات واضحاً للجميع سواءً في أوكرانيا نفسها أو في روسيا.
- وحول هذه النقطة بالذات يقول خبير روسي آخر هو الباحث السياسي (دميتري سوسلوف) أن الموقف السياسي مختلف تماماً بين الأمريكيين والأوروبيين بشأن هذه النقطة، فبالنسبة للأميركيين، فقد كان القرار قسرياً، وترجع الموافقة الأمريكية على استخدام نظام كييف لمختلف الأسلحة الغربية وضرب مناطق الداخل الروسي، بسبب معرفة واشنطن حقيقة أن كييف بدأت بالفعل تعاني من هزيمة عسكرية كبيرة، ولذلك فإن الأمريكيين يخشون بشدة أن تقترب روسيا من مدينة (خاركوف) أكثر فأكثر مع اقتراب موعد الإنتخابات الرئاسية الأمريكية، وهو الأمر الذي سيوجه ضربة إنتخابية غير مرغوب بها حالياً بالنسبة لإدارة الرئيس الأمريكي جون بايدين.
- ويضيف الخبير الروسي (دميتري سوسلوف) أن الأمريكيين قلقون للغاية لأنهم يعرفون أنه بالنسبة لموسكو فإن التقدم العسكري نحو (خاركوف) والسيطرة عليها، هو أمر لا يتعلق فقط بالإنتخابات الرئاسية الأمريكية، بل يتعلق بالضرورات العسكرية الروسية نظراً لأن منطقة (خاركوف) بالكامل تشكل العمق الإستراتيجي للقوات الروسية، وفي حال وقعت مدينة (خاركوف) والمنطقة المحيطة بها تحت سيطرة القوات الروسية، فإن الأهمية الإستراتيجية المتبقية لنظام كييف وقواته ستنخفض كثيراً بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما دفع واشنطن لتعدل مبدأ (المخاطر غير المقبولة).
- وفي نهاية المطاف، ما زال الأمريكيون يعتقدون بأن ضرب المناطق الحدودية لن يؤدي إلى صدام عسكري مباشر بين روسيا وحلف شمال الأطلسي، وبالتالي فإن الضربات الحدودية لن تؤدي إلى حرب نووية بين واشنطن وموسكو، ولكنهم في هذا التصور الخاطئ، هم يتناسون بأن قوات نظام كييف قد تخرج عن الأطر التي رسمتها لها القيادة الأمريكية، حيث يمكن للقوات الأوكرانية أن تتصرف من تلقاء نفسها، وأن تضرب مناطق روسية داخلية رغم ما أعلنت عنه واشنطن من وجود (خطوط حمراء) يجب على قوات نظام كييف أن لا تتجاوزها، متناسين بأن النظام الأوكراني الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة مستعد لارتكاب أي حماقة عسكرية ضدَّ مناطق الداخل الروسي، من أجل إشعال المواجهة العسكرية بين موسكو وعواصم الدول الغربية بما فيها واشنطن.
- هذا الاحتمال لتطور الأحداث يمكن له أن يعقد الوضع العسكري والأمني بين روسيا ودول حلف الناتو وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، لأن الكرملين الروسي عندها سيرد بقوة وبحزم، وسيجبر الأمريكيين على التنصل من مسؤولية وأخطاء نظام كييف الذي ستدفعه واشنطن لتحمل مسؤلية أي قرار عسكري أو أمني بضرب أي أهداف أو مواقع داخل أراضي الداخل الروسي، أي أن الأمريكيين سيجرون الأوكرانيين على الإعتراف بالهزيمة، وتحمل تبعيات وخسائر الحرب الحالية، رغم محاولات الأوكرانيين الفاشلة لجر الأمريكيين معهم إلى الهاوية، بعد أن سمحت واشنطن لنظام كييف باستخدام الأسلحة الغربية لضرب بعض المواقع العسكرية والمدن في داخل الأراضي الروسية.
حسام الدين سلوم – دكتوراه في تاريخ العلاقات الدولية – خبير في العلاقات الدولية الروسية.