موسكو – (رياليست عربي): بعد أن أطلقت القيادة العسكرية الروسية عملية عسكرية خاصة أسمتها عملية مكافحة الإرهاب في 3 من المناطق الروسية الواقعة على الحدود الجنوبية الغربية، وهي (بريانسك) و (بيلغورود) إلى جانب مقاطعة (كورسك) الإستراتيجية، وذلك لإحباط اندفاع القوات الأوكرانية التي تحاول أن تستولي على بعض المناطق الحدودية داخل الأراضي الروسية:
- اجتمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مساء الإثنين 12 أغسطس 2024 مع قادة مقاطعات كورسك وجارتيها بيلغورود وبريانسك، حيث قدم الحكام الروس الثلاثة تقارير أمنية وإستخباراتية مباشرة للرئيس بوتين حول تطورات الوضع هناك، كما أشار القائم بأعمال حاكم مقاطعة كورسك الروسية (أليكسي سميرنوف) بأن الوضع في المقاطعة ما زال صعباً، وأن العدو الأوكراني بات يسيطر حالياً على 28 بلدة وقرية في المناطق الحدودية، في حين تمَّ إجلاء نحو 121 ألف شخص إلى المناطق الآمنة، وأن العمل يجري حالياً من أجل إجلاء 59 ألف شخص آخرين.
- من جانبه أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه سيتم تقييم ما يجري في المناطق المتاخمة لأوكرانيا، لكن المهمة الرئيسية الآن تتمثل بطرد العدو الأوكراني، مضيفاً بأن نظام كييف سيستمر في محاولة زعزعة الإستقرار على طول الحدود المتاخمة لروسيا الإتحادية لـتأجيج الوضع في الداخل الروسي أيضاً، وذلك لأن نظام كييف يحاول تحسين مواقفه التفاوضية مستقبلاً عبر منطقة (كورسك)، مشيراً إلى أن نظام كييف ينفذ وصايا الرعاة الغربيين، الذين يحاولون تحسين ظروف التفاوض مع موسكو، ومؤكداً في الوقت نفسه أن العدو الأوكراني والغربي سيتلقى رداً عسكرياً مناسباً من قبل القوات الروسية، مشدداً على أن روسيا الإتحادية سوف تنجح في جميع المهام الموضوعة أمامها بلا أدنى شك.
- وشدد الرئيس بوتين على أن استفزاز نظام كييف المسلح على الحدود الروسية الأوكرانية، والذي يهدف إلى تعزيز موقفه في المفاوضات المستقبلية، لن يحقق هدفه، بل إن محاولاته عقيمة وفاشلة للغاية، متسائلاً: كيف يمكن الحديث أصلاً عن التفاوض مع أولئك الذين يستهدفون المدنيين بشكل عشوائي، أو يضربون البنى التحتية المدنية في روسيا الإتحادية، ويحاولون خلق تهديد لمنشآت الطاقة النووية.
- وأضاف الرئيس بوتين أن الإستفزاز الأوكراني المسلح يهدف إلى خفض وتيرة هجوم القوات الروسية في منطقة حوض (دونباس)، لكن النتيجة ستكون عكسية في الواقع، لأن هذا الهجوم في دونباس لم يتباطأ بل زادت وتيرته خلافاً لتوقعات كييف. مؤكداً أن نظام كييف فشل في زرع الفتنة والشقاق في المجتمع الروسي، ولافتاً النظر إلى أن عدد المواطنين الراغبين بالتعاقد مع وزارة الدفاع الروسية وحمل السلاح دفاعاً عن الوطن (روسيا الإتحادية) قد شهد ارتفاعاً ملحوظاً خلال الأيام الأخيرة، مشيراً في الوقت نفسه على الجانب الآخر أن خسائر الوحدات الأوكرانية الأكثر استعداداً للقتال تتزايد باستمرار، وأن قادة نظام كييف (النازي) من العسكريين والسياسيين قد سلكوا (طريق إبادة الأوكرانيين لأنفسهم).
آراء المراقبين والمحللين والخبراء في مراكز الدراسات السياسية والإستراتيجية الروسية والعالمية:
- يرى العديد من المراقبين و المحللين والخبراء في مجال العلاقات الدولية من المختصين بملف العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا وتطوراتها اللوجيستية أمنياً وعسكرياً، أن الهجوم والتوغل الأوكراني الأخير، والذي اعتبرته كييف اختراقاً، فيما اعتبرته موسكو توغلاً، له مجموعة من الأسباب المختلفة، منها العسكرية ومنها الأمنية ومنها اللوجيستية:
- فمن وجهة نظر المراقبين والمحليين والخبراء الروس: يؤكد المحلل والخبير الأمني والعسكري الروسي، الضابط السابق في القوات الخاصة الروسية (ألكسندر أروتيونوف) أن الهدف الرئيسي لنظام كييف من مهاجمته لمنطقة كورسك هو محطة الطاقة النووية في (كورشاتوف)، لأن هجمات الطائرات المسيرة المعادية من قبل الأوكرانيين على هذه المنشأة الروسية ذات الأهمية الإستراتيجية تؤكد ذلك بالفعل.
- ويضيف الخبير الروسي أروتيونوف أن المخابرات العسكرية الروسية تتابع بدقة ومهنية تنقلات العدو الأوكراني، حيث تشير المعلومات الأمنية والإستخباراتية بأن نظام كييف يريد السيطرة على مركز توزيع الغاز في منطقة (سودجا)، ولذلك فهو يخطط لمهاجمة المركز حالياً، لكونه الهدف الأقرب لقوات نظام كييف، ومن بعدها، إن لم يكن بالتزامن مع ذلك سيحاول مهاجمة محطة كورسك للطاقة النووية.
- ولهذا السبب، كما يضيف الخبير العسكري والأمني (ألكسندر أروتيونوف) بأن هيئة الأركان العامة الروسية، قد وضعت الخطط المناسبة بسرعة وأرفدت القوات العسكرية بشكل عاجل لـتأمين محطة (كورشاتوف)، كما أحاطت محطة (كورسك) للطاقة النووية هي الأخرى، بما يكفي من القوات البرية ووسائل الحماية للدفاع عنها، وهو الأمر الذي أحبط العدو الأوكراني، لأنه كان يطمح في السيطرة على هذه المحطة النووية الهامة، وإلا لماذا أراد نظام كييف أن يقوم بهذه المغامرة العسكرية التي ستجعله يدفع الثمن باهضاً، سواءً على صعيد الخسائر البشرية أوعلى صعيد الخسائر المادية.
- وأكد الخبير (ألكسندر أروتيونوف) المتواجد حالياً في أرض المعركة قرب منطقة (كورسك) الروسية أن قوات العدو الأوكراني، ليس لديها ما يكفي من الموارد البشرية والعسكرية لكي تقاوم ردة الفعل العسكرية الروسية التي ستبدأ حالياً وستكون عنيفة للغاية، والدليل على أن الهجوم الروسي المرتقب لطرد قوات نظام كييف سيكون قاسياً للغاية، هو عمليات النقل التي تمت خلال الساعات الـــــــــ72 الماضية للعديد من مجموعات القوات الخاصة الروسية، حيث تمَّ تعزيز ودعم جميع خطوط القوات الروسية في منطقة (كورسك)، والتي بدأت بعمليات التطويق العسكري أو ما يعرف عسكرياً بعمليات (فكي الكماشة) ضدَّ القوات الأوكرانية التي تتواجد داخل الحدود الروسية مما ينذر بفترة قتال دامية.
- أما من وجهة نظر المراقبين والمحللين والخبراء الغربيين: فيؤكد الخبير الأمني والعسكري الأمريكي (جورج باروس) أن عملية الإختراق الأخيرة للقوات الأوكرانية في منطقة (كورسك) حساسة للغاية لأن التقارير الأمنية والعسكرية التي أعلنت عنها وزارة الدفاع الروسية تبين أن الوضع في منطقة كورسك دقيق للغاية، وهو الأمر الذي دفع القيادة العسكرية الروسية لتبدأ بالفعل بمناقشة مجموعة من خيارات العمل المحتملة التي ستستعمل حالياً من قبل الكرملين للرد على العملية العسكرية الأوكرانية في منطقة كورسك، حيث من الممكن أن تبدأ القيادة العسكرية الروسية بتطبيق أحد هذه الخيارات للرد على التوغل الأوكراني في منطقة كورسك، ولربما تلجأ موسكو إلى عدة خيارات عسكرية (مجتمعة) وفقاً لقرار القيادة العسكرية الروسية وإدراكها لحجم وقدرة القوات الأوكرانية في المنطقة، وفيما يلي هذه الخيارات المتاحة حالياً:
- · قد تقرر القيادة العسكرية الروسيةحالياً استخدام المجندين الحاليين وحرس الحدود التابعين لجهاز الأمن الفيدرالي الروسي ومعها القوات غير النظامية الأخرى المنتشرة بالفعل في منطقة الحدود الدولية لدفع القوات الأوكرانية إلى الوراء والدفاع عن منطقة كورسك، لأن السلطات الروسية أكدت للشعب الروسي أن المجندين الروس لن يتم نشرهم في عمليات قتالية على طول خطوط المواجهة مع أوكرانيا، وهو الأمر الذي يعرفه قادة نظام كييف جيداً، ولذلك يحاولون أن يستغلوا تعهد الكرملين لصالحهم.
- وبالفعل، ما زال قادة الكرملين السياسيين والعسكريين أوفياء لتعهدهم أمام أبناء الشعب الروسي لأن القيادة العسكرية الروسية، لم تزج بالمجندين في المعارك الحالية المحيطة بمنطقة (كورسك) بل إنها أوكلت للمجندين الروس إمكانية تنظيم عمليات التنقل والحراسة للوحدات المسؤولة عن وظائف أمن الحدود، وذلك على طول خط الحدود الدولية مع أوكرانيا، خاصةً وأن هناك وحدات من حرس الحدود التابعة لجهاز الأمن الفيدرالي الروسي، وعناصر من وحدات قوات (أحمد) الشيشانية العاملة تحت إشراف وزارة الدفاع الروسية يعملون حالياً بالفعل في منطقة كورسك، بناءً على تطوعهم ورغبتهم.
- وتؤكد المعلومات الأمنية والإستخباراتية التي تحاول المخابرات المركزية الأمريكية أن تزود نظام كييف بها حالياً، أن هناك عمليات نقل عسكري كبيرة لوحدات عسكرية متنوعة، تابعة للقوات غير النظامية لجمهورية دونيتسك الشعبية، ويقصد هنا بــــــ(غير النظامية) أي التي لا يوجد لها أي مهام معينة حالياً، بما في ذلك عناصر من (فرقة ديكايا في دونباس)، ولواء (بياتناشكا) أو اللواء 15 الروسي المجوقل (المنقول جواً)، وكتيبة (أربات) للحرس المنفصل للأغراض والمهام العسكرية الخاصة، ومفرزة الطائرات بدون طيار المعروفة بإسم (ذئاب الليل)، والتي وصلت جميعها إلى مقاطعة كورسك على عجل، بعد أن أعلن استنفارها منذ صباح يوم الخميس الموافق لتاريخ 8 أغسطس 2024.
- وأفادت التقارير أن عناصر من الفوج (217 في دي في) التابع للفرقة الروسية 98 المحمولة جواً كانت تدافع عن قسم من الحدود في منطقة كورسك منذ أواخر مايو 2024، مما يؤكد وجود بعض القوات الروسية ذات الخبرة القتالية في المنطقة، على الرغم من أن غالبية التقارير الروسية تحدثت بأن معظم القوات الروسية العاملة في منطقة كورسك، كانت عناصر من الوحدات عديمة الخبرة قتالياً، ولكن، وبالرغم من ذلك، فإن لديها ما يكفي من الخبرة والسلاح والعتاد لكي تتصدى لأي تقدم أوكراني، أو حتى إعاقته على الأقل (في سياق عمليات كسب الوقت) لأجل القيام بعملية إجهاض لعنصر المفاجآة الذي عولت عليه قوات نظام كييف إلى حد كبير، خاصةً وأن القادة العسكريين الأوكرانيين، ومعهم خبراء الناتو، يدركون جيداً بأن هناك فترة زمنية محدودة لتحقيق أي تقدم أو توغل ضمن الأراضي الروسية، ولذلك بدأت القوات الأوكرانية تستخدم تكتيكات وقدرات تكنولوجية عالية ومبتكرة، حيث تحاول القوات الأوكرانية أن تثبت وأن تتمركز في منطقة مسؤولية مجموعة قوات الشمال الروسية، وهو أمر صعب من الناحية العملية رغم المعدات الأوكرانية المتطورة التي لوحظت في معارك (كورسك) لأول مرة، نظراً لأن مجموعة القوات الشمال الروسية، باتت مستعدة للإشتباك بمجرد تلقي الأوامر، وهو ما كانت تخشاه الوحدات الأوكرانية، لعلمها بأن الوقت يلعب لصالح الجانب الروسي.
- قد تقرر القيادة العسكرية الروسية استخدام وحدات التجمع الشمالي للقوات الروسية المنتشرة على طول خط الحدود الروسية الأوكرانية للرد على التوغل العسكري الأوكراني بمنطقة كورسك وذلك خلال فترة الأسبوعين القادمين، لأنه وبحسب التقارير العسكرية والأمنية الواردة، فإن لدى قيادة التجمع الشمالي للقوات الروسية ما يقرب من 35000 فرد منتشرين في منطقة الحدود في مقاطعات كورسك وبريانسك وبيلغورود الروسية منذ أوائل شهر مايو 2024، حيث يقال إن القيادة العسكرية الروسية تسلمت تقارير موثقة من أجهزة المخابرات العسكرية، كانت تشير إلى وجود تحركات أوكرانية في تلك المناطق الحدودية قرب كورسك، ولذلك فقد قررت قيادة منطقة التجمع الشمالي بناءً على تلك التحذيرات التي وردت، إنشاء تجمع في المنطقة يتراوح حجمه بين 50000 إلى 75000 فرد.
- لكن ما يعوق هذا الأمر هو أن وحدات التجمع الشمالي للقوات الروسية، قد قامت في وقتٍ سابقٍ بشن عملية هجومية كبيرة في منطقة خاركوف الشمالية، حيث تكبدت بعض الخسائر التي قيدت الجهود الروسية لاستكمال بناء قوات التجمع الشمالي، وهو الأمر الذي شجع القوات الأوكرانية لتقوم بعمليات التوغل الحالية. وقد أفادت التقارير أن القيادة العسكرية الروسية نقلت عدداً غير محدد من القوات إلى منطقة الحدود الدولية بالقرب من منطقة خاركوف في أواخر مايو و أوائل يونيو 2024، ولكن لم يكن من الواضح ما إذا كانت القيادة العسكرية الروسية تخطط لإلزام هذه القوات المُعاد نشرها على الفور بالقتال، أو استخدامها لتعزيز التجمع الشمالي للقوات الروسية لرفع مستوى قدرتها القتالية.
- وحول هذه النقطة بالذات، ومن جانب المحللين والخبراء العسكريين الغربيين المعادين للكرملين يقول الخبير العسكري والأمني الأوكراني (كوستيانتين ماشوفيتس) إن القيادة العسكرية الروسية قد نجحت بالفعل في إعادة نشر القوات الروسية، وأجهضت عنصر المفاجآة الذي كان الأوكرانيون يعولون عليه، حيث تمكن الروس من الإستجابة سريعاً، وتمكنوا من الإستعانة بفرقة البنادق الآلية الثامنة عشرة التابعة لـــــــ(فيلق الجيش الروسي الحادي عشر ضمن منطقة لينينغراد العسكرية) واللواء 128 للبنادق الآلية التابع لـــــــ(فيلق الجيش الروسي الرابع والأربعين ضمن منطقة لينينغراد العسكرية) وكذلك مجموعة بيلغورود التابعة للتجمع الشمالي للقوات الروسية العاملة في اتجاه (فوفشانسك) شمال شرق مدينة خاركوف وهي المجموعة التي كانت تدافع عن الحدود الدولية في منطقة كورسك. ولذلك تحدث رئيس هيئة الأركان العامة الروسية الجنرال (فاليري جيراسيموف) بتاريخ 7 أغسطس 2024، فأعلن أن وحدات التجمع الشمالي للقوات الروسية، وكذلك جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، قد أوقفت الإختراق الأوكراني في منطقة كورسك وألحقت خسائر فادحة بالقوات الأوكرانية.
- قد تختار القيادة العسكرية الروسية حالياً لإعادة نشر قوات الإحتياط التي جمعتها للهجوم الروسي الذي كان مخططاً القيام به خلال فترة الصيف الجاري والخريف المقبل 2024 للتقدم داخل أوكرانيا حيث لا تزال القوات الروسية تحتفظ باحتياطيات عسكرية كبيرة، وقد تقرر موسكو حالياً تخصيص هذه الإحتياطيات العسكرية للقيام بعملية دفاعية واسعة النطاق في منطقة كورسك، وهو الخيار المرجح أكثر من غيره حالياً، حيث أن هذه الإحتياطيات العسكرية باتت ضرورية للعمليات الهجومية الروسية، ومع ذلك، فإن هذه القوات المخصصة لدعم وتيرة الهجوم الروسي المتوقع، ستحاول موسكو أن تجلبها من ضمن القوات الروسية المرابطة على طول خط المواجهة ضمن منطقتي (دونيتسك ولوهانسك) وهو الأمر الذي يتم دراسته حالياً، لأن القيادة العسكرية الروسية تريد أن تحافظ على وتيرة الهجوم الروسي في قطاعات معينة على الجبهة، خاصة في (لوهانسك و دونيتسك)، لأن هذا الأمر يعتبر أولوية لدعم العمليات الهجومية الروسية في قطاعات أخرى.
- وهنا، يرى خبير عسكري وأمني آخر هو الخبير الأمريكي (دافيد جاسباريان) المتخصص بالشؤون الأمنية والعسكرية والذي يتابع وضع العمليات العسكرية بين كييف وموسكو من جانب واشنطن أن القيادة العسكرية الروسية قد تسعى للحفاظ على عدد القوات التي خصصتها حالياً بشكل عاجل لمنطقة كورسك، ولكنها قد تعيد نشر عناصر عسكرية من قوات الدفاع الجوي، وكذلك قد تقوم بضربات كبيرة في المنطقة في محاولة لتحسين قدرة روسيا الإتحادية على استعادة الأراضي التي سيطرت عليها قوات نظام كييف. والدليل على ذلك أن الطيران الروسي يقوم حالياً بطلعات روتينية لضرب المواقع الأوكرانية في الخطوط الأمامية والخلفية على طول الحدود (الروسية – الأوكرانية)، حيث تسعى القيادة العسكرية الروسية إلى الإستفادة من القدرات الجوية المتاحة لديها حالياً، نظراً لأن وزارة الدفاع الروسية على ما يبدو، تعتقد حالياً بأن القوات الروسية الحالية المرابطة في منطقة كورسك، غير مؤهلة مؤقتاً لاستعادة الأراضي هناك، لأن بعض القيادات العسكرية الروسية تسعى إلى تجنب عمليات استحضار الجنود وإعادة الإنتشار من أماكن أخرى لكي تحافظ على تراصف خطوط الجبهة.
- وتهدف القيادة العسكرية الروسية حالياً من عمليات الطيران على نطاق واسع في المجال الجوي فوق منطقة كورسك، إلى السماح للقوات الروسية بتثبيط المناورة الأوكرانية، ومنع القوات الأوكرانية من تعزيز مواقعها بشكل آمن، وبالتالي السماح للقوات الروسية الحالية المنتشرة في المنطقة بإجراء هجمات مضادة وعمليات دفاعية بشكل أكثر فعالية. ومع ذلك، ليس من الواضح حتى الآن، إمكانية كفاية هذا الأمر لمنح القوات الروسية الحالية المنتشرة في منطقة (كورسك) القدرة الكافية والمطلوبة، من أجل استغلال تأثير العمليات الجوية الروسية واسعة النطاق فوق منطقة كورسك على أكمل وجه.
- ويضيف الخبير العسكري والأمني الأمريكي (دافيد جاسباريان) أن المشكلة اللوجيستية الحقيقية التي تتعلق بالعمليات الجوية الروسية واسعة النطاق فوق منطقة كورسك، تتجسد بأن هذه العمليات قد تعطل قدرة روسيا الإتحاديةعلى استخدام الطيران التكتيكي بشكل روتيني، لاستعمال ما يعرف عسكرياً بمصطلح (القنابل الإنزلاقية) في جميع أنحاء خط المواجهة، نظراً لأن القوات الأوكرانية التي دخلت حالياً إلى منطقة كورسك، بما في ذلك المجموعات المتنقلة منها، والتي تعمل في عمق الأراضي الروسية، لديها قدرات دفاع جوي كبيرة للغاية، من شأنها أن تجعل العمليات الجوية الروسية واسعة النطاق في المنطقة صعبة حالياً، وهو الأمر الذي أغضب الروس كثيراً لأن هذه القدرات الدفاعية الجوية التي وجدت بحوزة الأوكرانيين، هي معدات وأسلحة دفاع جوي وصلت بشكل مؤكد من الدول الغربية ودول حلف الناتو، وهو الأمر الذي بات واضحاً للغاية بالنسبة لأجهزة المخابرات العسكرية الروسية التي باتت متيقنة مائة بالمائة أن خبراء دول الناتو هم الذين يشغلون أنظمة الدفاع الجوي الأوكرانية، والتي خرجت إلى العلن للمرة الأولى منذ بدء الحرب بالتزامن مع التوغل الأوكراني في كورسك.
- فيما يرى الخبير الأمني والعسكري (فريدريك دبليو كاجان) وهو مدير مشروع التهديدات الحرجة في معهد أميركان (إنتربرايز) وأستاذ التاريخ العسكري للأكاديمية العسكرية الأمريكية في (ويست بوينت) أنه وعلى الرغم من الإستجابة العسكرية الروسية السريعة والمتماسكة للتوغل الأوكراني في منطقة كورسك، إلا أن معدل التقدم الأوكراني المبلغ عنه يشير إلى أن القوات الأوكرانية كانت قادرة على تحقيق عنصر المفاجآة العملياتية على طول الحدود مع روسيا الإتحادية لولا إستجابة القوات الروسية بسرعة فائقة، وبالرغم من ذلك فإن كبار القادة ضمن القيادة العسكرية الروسية قد ألقوا باللوم على العديد من وحدات المراقبة التابعة لقوات حرس الحدود الروسية، لفشلها في مراقبة القوات الأوكرانية المزعومة والرد عليها مباشرةً، ولو بشكل مبدئي على الحدود قرب كورسك، لكسب المزيد من الوقت، وهو الأمر الذي ألقى بظلاله على عمليات توزيع المهام قرب مناطق الحدود (الروسية – الأوكرانية) التي باتت حالياً تشغل العالم برمته لأنها باتت تشهد حشد القوات من كلا الجانبين لمعارك طاحنة للغاية.
- إن وجهة نظر الخبير العسكري (فريدريك دبليو كاجان) لها ما يبررها، وذلك لأن هناك بعض الوحدات العسكرية التابعة لجهاز المخابرات العسكرية الروسية، قد حذرت هيئة الأركان العامة الروسية بتاريخ 3 أغسطس 2024 بأن القوات الأوكرانية تحشد وحداتها على طول الحدود بالقرب من منطقة كورسك لكن القيادة العسكرية الروسية في تلك المنطقة، إما أنها فشلت في الإستعداد بشكل كافٍ للعمليات الهجومية الأوكرانية المحتملة، أو أن القوات الأوكرانية نجحت بمساعدة الخبراء الغربيين في إخفاء نواياها العملياتية من أجل تحقيق المفاجأة بالتوغل داخل الأراضي الروسية، وفي كلتا الحالتين كانت عملية كورسك هي النقطة التي أفاضت الكأس لدى الكرملين الروسي، وبالذات على الصعيدين الداخلي و الخارجي، أي على الصعيد الداخلي فيما يتعلق بعمل الأجهزة الأمنية وخاصةً الأجهزة الأمنية العسكرية، وعلى الصعيد الخارجي فيما يتعلق بموقف الدول الغربية من الحرب (الروسية الأوكرانية).
- فعلى الصعيد الداخلي: أثارت عملية مقاطعة (كورسك) هذه حقد الداخل الروسي على الأوكرانيين الذين كان الروس وما زالوا يعتبرونهم بأنهم إخوتهم في الدين والتاريخ والجغرافيا، وأن كل ما يحدث هو محاولات غربية من أجل دق إسفين بين الشعبين (الروسي والأوكراني)، ولكن الهجوم الأوكراني الأخير كان نقطة مفصلية، لأنه كان أول هجوم خارجي تقوم به جهة خارجية وتجتاح بها الأراضي الروسية منذ أيام الحرب العالمية الثانية عندما اجتاحت القوات الألمانية النازية التي قادها هتلر الأراضي الروسية، ولذلك فإن الداخل الروسي بدأ يطالب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقياداته العسكرية والأمنية برد قاسي للغاية ضدَّ هذا التصرف الذي قامت به قوات نظام كييف، خاصةً وأن الرئيس فلاديمير بوتين قد قام هو شخصياً بجمع قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية، إضافة إلى حكام الأقاليم الواقعة قرب الحدود (الروسية الأوكرانية) واستمع لهم شخصياً، وناقش معهم آليات العمل المتاحة، سواءً المدنية لمساعدة وإنقاذ المواطنين الروس، أو العسكرية منها للرد على التوغل الأوكراني داخل الأراضي الروسية.
- أما على الصعيد الخارجي فقد بيَّنت عملية كورسك بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان محقاً عندما قال أن الغرب يحارب روسيا الإتحادية بأيدي الأوكرانيين، خاصةً بعد أن أشار المسؤولون الأمريكيون إلى أن العملية الأوكرانية الجارية في منطقة (كورسك) لا تشكل أي انتهاك للقيود الأمريكية على قدرة أوكرانيا لضرب أهداف عسكرية داخل المناطق الحدودية الروسية، وقد صرحت السكرتيرة الصحفية للبنتاغون (سابرينا سينغ) خلال مؤتمر صحفي في 8 أغسطس 2024، أن عملية أوكرانيا في منطقة كورسك تتفق مع السياسة الأمريكية، وأن الولايات المتحدة الأمريكية تدعم حق أوكرانيا في الدفاع عن نفسها ضد الهجمات عبر الحدود الدولية، فيما أشارت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض الأمريكي (كارين جان بيير) ومعها المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية (ماثيو ميلر) إلى دعم إدارة الرئيس الأمريكي (جون بايدن) لما أطلق عليه الأمريكيون (الفطرة السليمة) والإجراءات الدفاعية التي تقوم بها أوكرانيا منذ تاريخ 8 أغسطس 2024 من أجل تعطيل وإحباط القوات الروسية وتحويل نشاطها جزئياً عن مناطق الخطوط الأمامية في شرق أوكرانيا.
- وعليه، أدركت القيادات السياسية والعسكرية والأمنية في روسيا الإتحادية أن الهجوم الأخير الذي تقوم به القوات الأوكرانية هو هجوم واضح ومباشر من قبل دول حلف الناتو بمباركة أمريكية، وأن المعلومات الأمنية والإستخباراتية التي تلقتها أجهزة المخابرات الروسية بأن عمليات التوغل الأوكرانية تتم إداراتها من قبل خبراء غربيين كانت صحيحة ودقيقة للغاية وهو الأمر الذي يضغط على الكرملين الروسي للقيام بالرد المناسب من قبل القوات الروسية التي تنتظرها معارك حاسمة.
حسام الدين سلوم – دكتوراه في تاريخ العلاقات الدولية – خبير في العلاقات الدولية الروسية.